My Account Sign Out
My Account
orange and red paint

الملكوت يقتحم أسلوب الحياة

بقلم ايبرهارد آرنولد Eberhard Arnold

29 مايو. 2017
0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

إذا لم يكُن لدينا في كل ما نفعله أيُّ هدف سوى: أن يأتي ملكوت الله، وأن تحصل مشيئته على الأرض، فسيستجيب الله عندئذ لصلواتنا، كما أوصانا المسيح:

لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ، وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. (متى 6: 33)

وسيحقق الله أمورًا أعظم مما تستوعبه قلوبنا. وسيحدث أكثر بكثير مما نجرؤ على التعبير عنه بالكلام. وإنَّ ما يحققه الله سيفوق صلواتنا مهما كانت واثقة وجريئة. وللتأكُّد من أن الله هو الذي يقوم بكل هذا، ستتحقق طلباتنا فيما نحن نصلِّي أو حتى قبل أن نبدأ بصلاتنا. فيقول الله في الكتاب المُقدَّس:

وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ. (إشعيا 65: 24)

فكل مَنْ يقرع باب الله ولا يطلب سواه، سينال ما يسأله قبل أن يَفْطُنُ للأمر، كما وعدنا يسوع المسيح في الإنجيل:

اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. أَمْ أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِذَا سَأَلَهُ ابْنُهُ خُبْزًا، يُعْطِيهِ حَجَرًا؟ وَإِنْ سَأَلَهُ سَمَكَةً، يُعْطِيهِ حَيَّةً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ أَبُوكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، يَهَبُ خَيْرَاتٍ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ! (متى 7: 7–11)

*******

لنسأل الله أن يرسل روحه القدوس بسلطان مُتجدد. فنحن في أمس الحاجة إلى أن ينعم الله علينا بأفكار جديدة تنبثق من صميم أعماقه، تلك الأفكار التي تتجاوز إلى حدٍّ بعيد أفكارنا البشرية وتصوراتنا الهزيلة. فلنُصَلِّ من أجل أعمال الله القديرة، تلك الأعمال المستقلة عَنَّا نحن البشر استقلالاً تامًّا، وليس لنا فضلٌ فيها. ونُصلِّي من أجل أن تقتحم سيادة الله العالم اقتحامًا حقيقيًّا، وأن تظهر محبته، وأن يصبح ملكوته منظورًا ومستعدًا لنزول الروح القدس والمسيح. فلهذه القضية سنُكرِّس أنفسنا، حتى لو كلفتنا حياتنا. وسننذر حياتنا لها لَعَلَّ سيادة الله تتحقق وملكوته يصبح منظورًا لأجل خلاص جميع الأمم.

‏*******‏

ستظهر لكم معجزات الله وواقعية ملكوته في وسطكم؛ لأن الروح القدس هو الذي يَمسككم ويمتلك قلوبكم، ويتخللكم، ويأخذكم الآن إلى أجواء ملكوت الله الآتي. (أعمال 2: 17–21) وإنَّ الريح التي تسبق العاصفة هي جزء طبيعي من العاصفة. أمَّا الروح القدس فينتمي إلى يوم الدينونة والخلاص عندما يقتحم ملكوت الله العالم، رغم أن الروح القدس هو أيضًا صوت الله في العاصفة التي تسبق حكم الله وسيادته. وفي كل مرة يحدث اقتحام الملكوت هذا لحياة الإنسان، فإنه يؤثر في العالم بأسره؛ إذ إنَّ هذا الحدث يؤكِّد الحدث المعروف الذي كان يُعتبر يوم تأسيس الكنيسة الرسولية في أورشليم — عند نزول الروح القدس كالريح على جماعة التلاميذ الأولين في يوم الخمسين، حيث آمن بالمسيح ثلاثة آلاف شخص في ذلك اليوم.[1]

‏*******‏

نحن مئة وخمسون شخصًا من صغار وكبار، وكل واحد مِنَّا قد أرشده الله بطريقة مُميَّزة.[2] وقد قادتنا كل هذه المسالك الإرشادية المختلفة إلى الحياة المسيحية المشتركة، وهي هدف مشترك لنا جميعًا‏. وهذه الحياة تتوافق مع ملكوت الله المستقبلي. ونعني بهذا شيئًا أرضيًّا وأيضًا سماويًّا. فإننا نؤمن بالحياة الآخِرة، أيِ الحياة الأبدية. ولكننا نؤمن في الوقت نفسه بالحياة التي تتطلع نحو المستقبل الإلهي هنا على الأرض، التي تتوقع من القِوى السرمدية أن تقتحم الأرض وتقهَر نظام حياتها الباطل من أجل ملكوت الله الآتي.

وبما أننا نعتبِر أن كنيسة المسيح هي سفارة ملكوت الله المستقبلي، فإننا نؤمن بأن الكنيسة المتشاركة عليها أن تُمثِّل دستور الملكوت الآتي هنا على هذه الأرض وفي الوقت الحاضر. ونقول إنَّ الروح القدس هو بشيرٌ باقتراب المستقبل الإلهي؛ وإنه العنصر الأساسي للمستقبل العظيم. وهذا هو سبب تلقي الكنيسة للروح القدس، لا لغرض رسم خارطة زمنية معينة أو التكهُّن بجدول زمني ما لاتخاذه مرجِعًا لمعرفة وقت مجيء ملكوت الله — حاشا لها — بل لغرض استرشاد حياتها بالمحبة الكاملة، بما يتوافق مع الروح القدس.

ويعني هذا بالتأكيد أننا في حالة من المعارضة الشديدة لروح الثقافة السائدة. فإننا نُعارِض كُلاًّ من روح الدكتاتورية وروح الليبرالية التي تطلق العنان للشَّرِّ والخطيئة، وتُبيح للطبيعة الشهوانية لدى الناس أن تُرَوِّح عن نفسها، إذا جاز التعبير، حتى لو انغمسوا في المَلذَّات. فكُلٌّ مِن هذين النهجين يسير في اتجاه خاطئ. لذلك، فإننا نُعتبَر في غير محلنا، وغير مرغوب فينا، بحسب جميع وجهات النظر.

‏*******‏

لن نحتاج من بعد الآن إلى إرشادات «اِفْعَلْ» «ولا تَفْعَلْ،» عن الأشياء المسموح بها أو الممنوعة، ولا إلى لوحي الحجارة للشريعة والوصايا. لأنه سيجري تنظيم كل شيء في هذا الملكوت بواسطة الولادة الروحية الجديدة وإلهام الروح القدس، تحت سيادة روح المسيح.

‏*******‏

حَثَّنا يسوع المسيح على العمل ما دام النهار طالعًا.

يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. (يوحنا 9: 4)

فقد شَبَّه يسوع ملكوته بالعمل في الكرم، وباستثمار الأمانات (الوزنات)، وبالاستخدام الجيد لكل وزنة. فإذا كان ملكوت الله يعني تحويل وادي الدموع هذا إلى مكان للفرح، فهذا معناه أن هناك ميدانًا واسعًا من العمل بانتظارنا، ويترتب علينا إنجازه. فإنَّ العمل — وليس سواه — هو ما يتلاءم مع ما قد قَدَّر الله للروح البشرية. فإننا البشر مدعوون بطبيعتنا البشرية إلى حياة العمل الإنتاجي. ولن نَحظى بالفرح السليم بالحياة إلاَّ عندما تكون أجواء العمل الذي نؤديه معًا فيها علاقات مليئة بالمحبة الأخوية والقلوب الصافية الخالية من الضغائن.

‏*******‏

لقد سَلَّمَنا الله دعوة مُهِمَّة في وسط الصراع الرهيب بين نقيضين. فمن ناحية، نحن لا نشابه العالم في أننا نرفض التسليم بأسلوبي الإقصاء والإبادة الجماعية المتبادلة. إلاَّ أننا، من ناحية أخرى، نشابه العالم والطبيعة في أننا نُقِرُّ بالقوة الاجتماعية البنَّاءة للتعاون والتكافل المتبادل. ونحن لا نُبعِد أحدًا. ونؤمن بوجود مشاعر عميقة من التضامن والخدمة المتبادلة في داخل جميع البشر— أيًّا كانوا — تلك المشاعر التي تسعى لتجميعهم. ونؤمن بأن جميع الناس عندهم شرارة من النور الإلهي في أعماق قلوبهم، مهما بلغ عمق الظلمة التي كانوا غارقين فيها. ونؤمن بأنه لابد لشرارة النور هذه أن تعمل على تجميع بني البشر في النهاية في بحر النور العظيم، ألا وهو: الشركة مع الله.

‏*******‏

ليس من غير المألوف أن نسمع الناس يقولون إنه من الخطأ محاولة تحقيق أيِّ جزء من ملكوت الله وجعله واقعًا قبل أوانه. وهذا صحيح. فنحن البشر يجب أن لا نُعَجِّل ما سيفعله الله بل حتى لا يمكننا فعل ذلك. ولكن قول الناس إنه من الخطأ أن نَحُثَّ أيَّ شيء ليحدث، فإنما يميلون بهذا المنطق في كثير من الأحيان إلى تغطية انعدام إيمانهم بالروح القدس ومفاعيله. وصحيح أن الناس من رجال ونساء لا يمكنهم أن يعجِّلوا بملكوت الله، غير أن الله يمكنه إرسال بشيرٍ لملكوته: فهو يرسل الروح القدس، الذي هو جوهر الملكوت المستقبلي، الذي يُسرِع الخُطى ليُبشِّر بالمُلك الآتي ويُعِدَّ الطريق له.

‏*******‏

هناك العديد من الناس الذين أُثْقِلَتْ قلوبهم كثيرًا بمعاناة العالم، وعليه أدركوا حتميَّة مجيء العدل في يوم من الأيام. ولكن يسوع المسيح هو الوحيد الذي منحنا الملكوت بكل وضوحه وعدالته، وأظهر لنا السبيل إليه، إضافة إلى أنه غرس فينا الاشتياق إلى العدل.

‏*******‏

إنَّ السُّلطة الحكومية والكنيسة التي تدعمها تُشكِّلان نسبيًّا أفضل تحالفٍ موجود في الظلمات. ولن يأتي ملكوت الله إلاَّ عندما يتم الإطاحة بكل هذا الخير النسبي.[3]

أمَّا الخيرُ المُطلق والمتكامل، فهو وليمة عُرس الحَمَل والعشاء الرباني.[4] (رؤيا 19: 7–9) ولا نحتاج إلى محاولة تخيُّل الشكل الذي سوف تتخذه هذه الوليمة في الملكوت. فلسنا مهتمين بالأوصاف أو الصور الدقيقة عنها. إذ يَنْصَبُّ اهتمامنا بالدرجة الأولى على جعل كُلٍّ مِن فرح الرب والوحدة التي يريدها منظورتين على امتداد كل الأفق. فسوف تكون كل المسكونة كنيسة واحدة للمسيح، وسوف تشترك الأرض بأسرها في وليمة عرس الحَمَل، وسوف يسود السلام في كل الأرض. وسوف يكون المسيح حاضرًا في كل مكان فيها. أمَّا أن نحيا الحياة المسيحية المشتركة للكنيسة المُقدَّسة الآن، فيعني أن نكون أمناء في ترقبنا وانتظارنا لذلك اليوم، والعمل بأمانة في سعينا لأجله. فيجب أن يكون كل عرس عندنا — وكل وليمة عرس — رمزًا له؛ ويجب أن تكون كل مأدبة من مآدبنا المشتركة علامة على الأُخُوَّة.

‏*******‏

يُكمِّل المسيح كل شيء، لأن كل شيء قد كُمِّلَ فيه سَلَفًا. فينعم الله علينا بفرحٍ لا حد له، عندما نترك حياتنا الأثيمة السابقة، ونحصل على الغفران عن ذنوبنا، وعندما نلتفت بشجاعة إلى حياة مُقدَّسة جديدة لكي نتجرَّأ على العمل بمشيئة الرب. فهذا هو فرح البشرى السَّارَّة التي يُقدِّمها الإنجيل، وفرح الروح القدس، والفرح بالرب، والفرح الذي يغمر كل الحياة، لأنه ينبع من الله الأبدي. فيوصينا الإنجيل:

اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا. (فيلبي 4: 4)

إنه الفرح باليقين من أن هذه السعادة بالذات هي مُلكٌ لجميع الناس، ومن أن المستقبل هو مُلكٌ للرب.

‏*******‏

سيكون نزول ملكوت الله شيئًا مختلفًا عندما يُعيدُ يسوع المسيح هذه الأرض إلى الله في يوم الخليقة الجديدة. وسندعو الله في صلواتنا أن يحقق ذلك. أمَّا نحن البشر فلا نقدر على تحقيقها، ولا حتى بإيماننا. فإنَّ الله وحده قادر على ذلك.

ولابد أن تأتي صحوة روحية؛ بل أن شيء أعظم منها لابد أن يأتي. أيمكنكم استيعاب هذا؟ أيمكنكم استيعاب أنه لابد أن يأتي شيء أعظم مما جاء حتى في الأزمنة الرسولية الأولى، ألا وهو ملكوت الله، الذي سيغيِّر العالم كله؟

‏*******‏

 

هذا المقال مقتطف من كتاب "ثورة الله"



[1] يوم الخمسين ويُسمى أيضًا بيوم العنصرة هو يوم حلول الروح القدس على التلاميذ المجتمعين في أورشليم الذي صادف في يوم الخمسين اليهودي.

[2] وحاليًا نحو ثلاثة آلاف.

[3] في هذه الفقرة، يلقي ايبرهارد آرنولد الضوء على نقطة مهمة في الإيمان المسيحي وهي أن الحياة المسيحية يجب أن تسير في النور الإلهي الخالِص الخالي من المساومات على وصاياه ومشيئته، في كافة مجالات الحياة، وأن لا تمتزج مع أيِّ باطلٍ مهما كانت نسبته. لأن الله لا يقبل بعملٍ يكون بعضه باطلاً وبعضه حقًّا، وإنما ينبغي أن يكون كله حقًّا خالِصًا ونورًا خالِصًا. لذلك، فإنَّ المسيحيين مدعوون إلى أن لا يشتركوا في أيِّ عمل باطل، أو نصفه باطل، سواء كان ذلك مع الدولة أو الحكومة أو أيِّ جهة أخرى، بل أن يحيوا في النور ‏فقط، وأن يشتركوا في أعمال الخير فقط، كما ‏يرشدنا الإنجيل: «وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي ‏سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ ‏اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ.» (1 يوحنا 1: 5) وهنا أيضًا: «‏وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ ‏مَعَ الظُّلْمَةِ؟» (2 كورنثوس 6: 14ب)‏

[4] يعني الحَمَل خروفًا صغيرًا، وهو يرمز إلى يسوع المسيح، مثلما مُدوَّن في الإنجيل: «وَفِي الْغَدِ نَظَرَ يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ، فَقَالَ: ‹هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!›» (يوحنا 1: 29) وأيضًا هنا: «طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْحَمَلِ.» (رؤيا يوحنا 19: 9)


illustration of sun and rays over a dark city
مساهمة من EberhardArnold2 ايبرهارد آرنولد

كان ايبرهارد آرنولد لاهوتيًّا، وتربويًّا، ومُحرِّرًا صحفيًّا، وتأسست على يده كنيسة الحياة المشتركة المعروفة باسم ‏برودرهوف ‏Bruderhof‏ التي تعيش جميع مجتمعاتها في بعض الدول حياة مسيحية مشتركة

اِقرأ المزيد
0 تعليقات