Subtotal: $
Checkout
يبدو، ويا للهول، أننا مشرفون على دينونة كارثية. وإنها لقريبةٌ جدًا لدرجة أنها لا يمكن تفاديها إلاَّ بتدخُّلٍ مباشرٍ من الله.
________________________________________
لقد حقق الجنس البشري تقدُّمًا تكنولوجيًّا مذهِلاً، قاهرًا الزمن والفضاء بواسطة السيارات والطائرات؛ ولكن كم من آلاف البشر يُقتلون بهذه الوسائط نفسها! وهناك إنجازات مدهشة في المدن الكبيرة، ومع ذلك، فإنَّ معظم الأُسَر التي تسكن فيها تنقرض في الجيل الثالث أو الرابع.
إنَّ القِوى الموجودة في حضارتنا التي يتخفَّى فيها أكبر قدر من الشَّرِّ والتهديد هي تلك المؤسسات الثلاثة الجبارة — السُّلطة الحكومية والقوة العسكرية والبنية الرأسمالية. إذ تُمثِّل هذه المؤسسات الثلاثة أعظم إنجازات روح الأرض. أمَّا الأمر المُذهل الذي لا يُصدَّق، فهو أن هذا الصرح الهائل قد شَيَّدته خليقة ساقطة. ولكن ستنتهي كل هذه الأمور بالموت. فكم جبارة هذه القِوى! وكم تبدو قيمتها الظاهرة شرعية وغير قابلة للجدل!
________________________________________
إنَّ الواقع الشرير ليومنا الحاضر — حيث البشرية تُدمِّر وتُفسِد نفسها بجنون متكرر — يجب أن يُجَابَه بواقع أعظم منه بكثير ألا وهو: نور الغد. فإنَّ البشرية في هذا النور مدعوة إلى ما هو نقيض الخيانة والخداع، ونقيض القتل والكراهية، ونقيض الموت والدمار. (1 تسالونيكي 5: 4–5)
غير أننا لن نلقى ضمانًا بأن فجر يوم جديد سيطلع علينا، ما لم نستوعب حُلكَة الليل وسواده المعتم، ومعاناته التي لا نهاية لها.
________________________________________
يؤثر حُكمُ الشَّرِّ على جميع البشر. وقد بلغ هذا التسلُّط في أيامنا هذه أبعادًا هائلة في مجالات كثيرة من الحياة. فنصادفه في شتى أنواع الأنظمة الحكومية، وفي كل كنيسة، وفي كل تجمُّع مهما كان مُتديِّنًا، وفي جميع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، وحتى في الحياة الأُسَريَّة وفي أخوية كنيستنا المُكرَّسة أيضًا. فلدى الشَّرِّ قوة شيطانية تظهر بوضوح في كُلٍّ من هذه التنظيمات، مهما اختلفت في ظاهرها. فقد تغلغل الشَّرُّ فيها من جراء ميولها المُتعنِّتة لمحاولة السيطرة الذاتية على قرارتها ومصيرها بجهودها البشرية من دون الاستعانة الحقيقية بالله وبإرشاده، لأننا غالبًا ما نخدع أنفسنا بأن ما نريده هو ما يريده الله أيضًا، وهذا معناه ميول الفرد لتقديم ما «يخصُّه» بأنه الشيء الوحيد المُهِمُّ: كشخصه أو شعبه أو حكومته أو كنيسته أو طائفته أو حزبه أو نقابته أو أسرته أو عشيرته أو أخويته المسيحية، أو على الأقل طريقة تفكيره.
________________________________________
لم يسبق للناس أن رأوا الأمر واضحًا كما هو واضح اليوم وهو أن الله وبِرَّه ومحبته لم يحكموا الأرض بأسرها لحد الآن. ونرى هذا الأمر في حياتنا الخاصة، وفي الأحداث الجارية أيضًا. ونراه في مصير أولئك اليائسين، وملايين العاطلين عن العمل. ونراه في التوزيع غير العادل للخيرات، مع أن الأرض تُقدِّم بوفرة خصوبتها وجميع مواردها الطبيعية. وهناك عملٌ عاجلٌ يجب القيام به لمساعدة البشرية، غير أنه يجري اعتراض سبيله وتدميره بواسطة جور أنظمة العالم الحالية.
فنحن في خضم انهيار الحضارة. أمَّا الحضارة فما هي سوى عمل البشرية المُنظَّم في الطبيعة. إلاَّ أن هذا العمل قد تحوَّل إلى فوضى يصرخ ظلمها إلى السماوات.
وهناك مئات من العلامات التي تشير إلى أن شيئًا على وشك الحدوث في أيامنا. ومع ذلك، لا يحدث شيء مُهِمٌّ في التاريخ إلاَّ إذا جاء من عند الله. ولهذا السبب، فإننا نجتمع الآن لكي نتضرع إليه لأجل أن يصنع تاريخًا، تاريخه هو، تاريخ بِرِّه. وعندما يصنع الله تاريخه، يكون لجميعنا كل الدواعي لنرتعش. وبحسب ما يبدو واقع الحال اليوم، لا يقدر الله على عمل أيِّ شيء، ما لم يكتسح غضبه أولاً كل الظلم والجفاء، وكل الشقاق والوحشية، التي تحكم العالم. وسيكون غضبه بدايةً لتاريخه. فيجب أن يأتي أولاً يوم الدينونة؛ بعدها يمكن ليوم الفرح والمحبة والنعمة والعدل أن يشرق.
أمَّا إذا سألنا الله أن يتدخَّل، فعلينا إظهار مكنونات نفوسنا أمامه، لندع بَرقَه يصعقنا، لتنقيتنا، لأننا جميعنا مذنبون. فلا يوجد مَنْ هو غير مذنب بالشَّرِّ في عالم اليوم.
________________________________________
لا يمكن لأحد أن ينكر أن الحركات الثورية أيقظت الضمير الإنساني، وعليه فهي تهزُّ روح البشرية هزًّا عنيفًا. فلا يمكن للضمير الحصول على الراحة والسلام إلاَّ إذا وصل صياحه التحذيري إلى أسلوب حياة كل إنسان، من أجل تغييرها. ثم إنَّ الهجوم الذي تَشُنُّه الاشتراكية والشيوعية على الوضع الراهن، إنما هو نداء ومناشدة لضمائرنا — نحن الذين نعتبر أنفسنا مسيحيين. ويحذرنا هذا النداء تحذيرًا شديدًا وأشد من أيِّ موعظة فهو يذكِّرنا بأن واجبنا هو أن نعيش باحتجاج فَعَّال على كل شيء يُعارض الله في هذا العالم. فقد أدينا نحن المسيحيين هذا الدور أداءً سيئًا للغاية، لدرجة أنه يجب طرح هذا السؤال الحاسم: «أنحن مسيحيون أصلاً؟»
________________________________________
هناك معنى عميق لكل صحوة تحصل للضمير الجماعي للبشرية. إذ يوجد شيء يُسمى: ضمير العالم، أو ضمير البشرية. فهو يثور على الحرب وسفك الدماء، وعلى حُبِّ المال وعبادته، وعلى الظلم الاجتماعي، وعلى العنف بجميع أشكاله.
________________________________________
في هذه الساعات الأخيرة، يجب أن تُهيئ القلوب بالإيمان — الآن وقبل فوات الأوان — لاستلام القِوى القديرة للعالم المستقبلي، أيْ لاستلام روح أورشليم السماوية. (سفر الرؤيا 3: 10–12)
إنَّ الملكوت النهائي لقريب، ويجب على العالم بأقاصيه أن يكون في تأهُّبٍ له. ولكن العالم لن يُبالي به، ما لم تضع كنيسة يسوع المسيح وحدة هذا الملكوت وعدله في حيز التطبيق يوميًّا. أمَّا الإيمان المسيحي فسيُحقِّق الوحدة الحقيقة بين المؤمنين المستعدين لأن يحيوا حياة مليئة بالمحبة العاملة وغير محدودة العطاء.
________________________________________
لم يدعُنا الرب لنحب حياتنا الذاتية، ولا لنحب حياة إخوتنا البشر. وبكلمة أخرى، فنحن مدعوون لنحيا لا للناس بل لمجد الله وملكوته. ويجب أن لا نسعى إلى الارتقاء بأنفسنا إلى ملكوت الله من خلال محبة حياتنا والاهتمام الجيد بها. إذ إنَّ الطريق إلى الملكوت يمرُّ عبر الموت، أيْ عبر موت حقيقي. ويطلب مِنَّا هذا الطريق نكران حياتنا لأجل الله وملكوته. فقد قال المسيح:
فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا. (مرقس 8: 35)
وإذا فهمنا زماننا الحالي على حقيقته وكما هو عليه من أوضاع فظيعة، فلن تغيب عَنَّا رؤية مدى قرب مطالب هذا الطريق وحاجته المُلِحَّة. حتى أننا لسنا بحاجة إلى الذهاب بعيدًا جدًا في تفكيرنا، كأن نفكر في نشوب حرب مثلاً، مع أنها تبدو وشيكة. إذ يطالبنا الوضع السياسي الحالي بأن نكون على استعداد في أيِّ لحظة للتضحية بحياتنا خدمةً للقضية الإلَهيَّة التي تَبنَّيناها. والويل للذين يحاولون باستمرار الحفاظ على حياتهم. فقد قال المسيح:
مَنْ يُحِبُّ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُبْغِضُ نَفْسَهُ فِي هَذَا الْعَالَمِ يَحْفَظُهَا إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ. (يوحنا 12: 25)
________________________________________
اِستيقظ أيها النائم، وانهَضْ؛ عندئذ يصلك المسيح! (رومة 13: 11) وهذه الدعوة موجَّهة إلى كل مَنْ يرتد مُنزلِقًا إلى ظلمة قلبه المغمومة، تلك الظلمة التي تعني الاستسلام ثانية إلى اليأس والانشغال بالذات والقلق على أحوال العالم، فلا يعود يرى كامل نور المسيح الساطع، ويصبح يتردد في اتِّباعه:
اسْتَيْقِظْ أَيُّهَا النَّائِمُ وَقُمْ مِنَ الأَمْوَاتِ فَيُضِيءَ لَكَ الْمَسِيحُ! (أفسس 5: 14)
فالمسيح، ذلك النور الحقيقي، واقفٌ أمامك. فإنه سيقويك ليتسنى لك القيام بأعمال عظيمة: أعمال المحبة التي لا تُولَد إلاَّ بالإيمان بالمسيح.
فإنك تعيش في الزمان الأخير. «إنها الساعة الأخيرة.» مثلما ينبهنا الإنجيل:
أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. (1 يوحنا 2: 18)
فاحرُصْ على أن تحيا حياة غير ملومة. ويعني هذا أنك يجب أن تتطلَّع بِشوقٍ إلى المستقبل وتقوم بتشكيل حياتك بما يتوافق مع المستقبل الإلهي. واستغل الوقت الحاضر أحسن استغلال، لأن الأيام مليئة بالشَّرِّ. فقد دنت ساعة الخطر النهائي الشديد. ويجب أن يستيقظ الناس الآن إذا كانوا يبحثون عن الحماية في الدينونة الآتية. لذلك، لا تكُنْ جاهلاً. وتَعلَّم أن تفهم مشيئة العَلِيِّ في يومنا هذا. (أفسس 5: 15–17) وتَيَقَّظْ في هذه الأزمنة الشريرة والخطيرة، لئلا تبقى تحت الدينونة عند ساعة التجربة. فقد أصبحن العذارى الجاهلات مهملات. وسوف تصيبك الفاجعة أنت أيضًا في الدينونة الآتية ما لم تَسْتَلِفْ زيتًا أو تُعْطَ زيتٌ لمصابيحك، مثلما بيَّن المسيح ذلك في مَثَل العذارى العَشر كما يلي:
حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ عَشْرَ عَذَارَى، أَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَخَرَجْنَ لِلِقَاءِ الْعَرِيسِ. وَكَانَ خَمْسٌ مِنْهُنَّ حَكِيمَاتٍ، وَخَمْسٌ جَاهِلاَتٍ. أَمَّا الْجَاهِلاَتُ فَأَخَذْنَ مَصَابِيحَهُنَّ وَلَمْ يَأْخُذْنَ مَعَهُنَّ زَيْتًا، وَأَمَّا الْحَكِيمَاتُ فَأَخَذْنَ زَيْتًا فِي آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ. وَفِيمَا أَبْطَأَ الْعَرِيسُ نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ! فَقَامَتْ جَمِيعُ أُولَئِكَ الْعَذَارَى وَأَصْلَحْنَ مَصَابِيحَهُنَّ. فَقَالَتِ الْجَاهِلاَتُ لِلْحَكِيمَاتِ: أَعْطِينَنَا مِنْ زَيْتِكُنَّ فَإِنَّ مَصَابِيحَنَا تَنْطَفِئُ. فَأَجَابَتِ الْحَكِيمَاتُ قَائِلاتٍ: لَعَلَّهُ لاَ يَكْفِي لَنَا وَلَكُنَّ، بَلِ اذْهَبْنَ إِلَى الْبَاعَةِ وَابْتَعْنَ لَكُنَّ. وَفِيمَا هُنَّ ذَاهِبَاتٌ لِيَبْتَعْنَ جَاءَ الْعَرِيسُ، وَالْمُسْتَعِدَّاتُ دَخَلْنَ مَعَهُ إِلَى الْعُرْسِ، وَأُغْلِقَ الْبَابُ. أَخِيرًا جَاءَتْ بَقِيَّةُ الْعَذَارَى أَيْضًا قَائِلاَتٍ: يَا سَيِّدُ، يَا سَيِّدُ، افْتَحْ لَنَا! فَأَجَابَ وَقَالَ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُنَّ: إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ. فَاسْهَرُوا إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ. (متى 25: 1–13)
هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»
د. إلهام يلدو
الايمان بيسوع المسيح كربنا، مخلصنا، والهنا، ثم أعمالنا الصالحة... آمين يارب.