My Account Sign Out
My Account
orange and red paint

الموقف المسيحي من الحكومات

ما دور الحكومة وما دور الكنيسة؟

بقلم ايبرهارد آرنولد Eberhard Arnold

17 نوفمبر. 2025
1 تعليقات
1 تعليقات
1 تعليقات
    أرسِل
  • مفكر حر

    مقالاتكم جميلة. وأرجو إرسال نسخة pdf من الكتاب. ولكن لدي سؤال: أنا من سورية، والكل يعرف حالنا. ويوجد ما يسمى بالخدمة الإلزامية. فهل نؤديها، أم نرفض تأديتها، فندخل للسجن ؟ وشكرا

الحكومات تستحق الاحترام

إننا نُقدِّم موافقتنا ودعمنا الكاملين للحكومات ومحاربتها المشروعة للخطيئة والإجرام: كالكذب، والدعارة، وجرائم القتل، والجشع. ويسعدنا التعاون مع السُّلُطات ما دامت أنها تحاول أن تفعل شيئًا بَنَّاءً للتَّصدِّي لهذه الأشياء الفظيعة. وذلك لأننا نُقِرُّ بسيادة سُلطة الحكومة الممنوحة من الله، ما دامت تسعى إلى الخير وتحارب الشَّرَّ ولا تتجاوز الحدود التي وضعها الله لها، مثلما يوصينا الإنجيل:

فَاخْضَعُوا لِكُلِّ تَرْتِيبٍ بَشَرِيٍّ مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ. إِنْ كَانَ لِلْمَلِكِ فَكَمَنْ هُوَ فَوْقَ الْكُلِّ، أَوْ لِلْوُلاَةِ فَكَمُرْسَلِينَ مِنْهُ لِلاِنْتِقَامِ مِنْ فَاعِلِي الشَّرِّ، وَلِلْمَدْحِ لِفَاعِلِي الْخَيْرِ. لأَنَّ هَكَذَا هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ: أَنْ تَفْعَلُوا الْخَيْرَ فَتُسَكِّتُوا جَهَالَةَ النَّاسِ الأَغْبِيَاءِ. كَأَحْرَارٍ، وَلَيْسَ كَالَّذِينَ الْحُرِّيَّةُ عِنْدَهُمْ سُتْرَةٌ لِلشَّرِّ، بَلْ كَعَبِيدِ اللهِ. أَكْرِمُوا الْجَمِيعَ. أَحِبُّوا الإِخْوَةَ. خَافُوا اللهَ. أَكْرِمُوا الْمَلِكَ. (1 بطرس 2: 13–17)

*******

ماذا يقول لنا يسوع المسيح عن هذا الموضوع؟ أن نُظهِر محبتنا لجميع الناس وحتى للذين يُمثِّلون الحكومة. لذلك، يجب أن لا تنتقموا من السُّلُطات الحكومية بل قابلوهم بمحبة. ثم صَلُّوا من أجل الحكومة أيضًا.

 فَأَطْلُبُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ، أَنْ تُقَامَ طِلْبَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَابْتِهَالاَتٌ وَتَشَكُّرَاتٌ لأَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، لأَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ الَّذِينَ هُمْ فِي مَنْصِبٍ، لِكَيْ نَقْضِيَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً هَادِئَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ. (1 تيموثاوس 2: 1–2)

إنَّ الحكومة تختلف تمامًا عن جسد المسيح (أيْ جماعة المؤمنين بيسوع المسيح)، ولكن الحكومة تخدم الله أيضًا، وإن كانت خدمتها في مجال مختلف تمامًا. والسُّلُطات الحكومية ضرورية؛ فلا يمكن كبح الجريمة والسيطرة عليها بدونها. لذلك يجب عليكم الاعتراف بسُلطة الحكومة، ولكن لا تصبحوا جزءًا منها. فأنتم من أتباع المسيح، وهو قد رفض أن يكون حاكِمًا من أصحاب السُلطة على وجه التحديد. فعندما أراد الناس أن يجعلوه ملِكًا، انصرف من هناك:

 وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكًا، انْصَرَفَ أَيْضًا إِلَى الْجَبَلِ وَحْدَهُ. (يوحنا 6: 15)

وعندما جاء إليه المُجَرِّب ليجرِّبه قائلاً له إنه سيعطيه جميع ممالك الدنيا، رفض يسوع ذلك:

 ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ الْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: «أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي.» حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ يَا شَيْطَانُ! لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.» (متى 4: 8–10)

غير أن تعامُل يسوع المسيح مع السُّلُطات الحكومية كان باحترام.

*******

الحكومة تضطر إلى المساومة

لا تستطيع أيُّ حكومة البقاء في الحكم دون استخدام القوة. فمن المستحيل أن نتخيل سُلُطات حكومية لا تستخدم قوات الشرطة أو القوات العسكرية. وباختصار، لا توجد حكومة لا تقتل. وكذلك لا يمكن لأحد أن يتخيل حكومة لا تلجأ إلى الأكاذيب الدبلوماسية لتمويه الوضع الحقيقي. فقد قيل إنَّ شارل موريس تاليران Talleyrand (دبلوماسي فرنسي) قال مرة: «لقد أُعطي الخطاب للإنسان لإخفاء أفكاره.» فلا توجد حكومة لا تُقدِّم تنازلات للدعارة ولغيرها من عمليات إفساد العلاقات الإنسانية. ولا توجد حكومة لا تساوم على موضوع الرأسمالية، وحبِّ المال، والظلم.

وعندما قال يسوع المسيح: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ،» فإنه كان يتحدث عن المال. (لوقا 20: 22–25) فقد وصف المال وكأنه شيء غريب ودخيل، وليس له هو شخصيًّا أيُّ علاقة به. فأعطوا هذا الشيء الغريب للإمبراطور؛ لأن كُلاًّ من المال والقيصر ينتمي أحدهما إلى الآخر. ودَعُوا المال يذهب إلى حيث ينتمي، ولكن أعطوا الله ما هو لله. وهذا ما تعنيه هذه الكلمات. أمَّا أرواحكم وحياتكم فلا تنتمي إلى قيصر بل إلى الله وإلى الكنيسة. ودَعُوا المال يذهب إلى الإمبراطور. فإنَّ حياتكم مُلكٌ لله! فيريدنا يسوع أن نعترف بالسُّلُطات الحكومية للدولة بأنها ضرورة عملية مُجرَّبة عبر التاريخ. ولكن لا يمكن أن يكون هناك أيُّ دولة مسيحية أيْ بمعنى دولة لها سُلُطات حكومية مسيحية. فيجب أن تحكم القوة حيث لا تحكم المحبة.

*******

لذلك، نحن لا نشترك اشتراكًا فَعَّالاً في السياسة أو في استخدام العنف. ولا نساوم على هذا الموضوع، ونرفض الانخراط فيه. فيقول الإنجيل:

 فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْعُظَمَاءَ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هَكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ أَوَّلاً فَلْيَكُنْ لَكُمْ عَبْدًا، كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ.» (متى 20: 25–28)

غير أن هذا لا يعني أننا غير مبالين أو لا نكترث لأحوال الآخرين. فنحن نهتمُّ بكل رجل من رجال السياسة، أيًّا كان. ونتمنى لجميع الذين يعملون في مجال السياسة أن يسمعوا عَنَّا، ويدركوا أن هناك حياة يسودها العدل والسلام، حيث يفرح الناس بعضهم ببعض. ونتمنى لجميع صانعي السياسة أن يسترشدوا بهذه الأهداف، ولا يزيغوا كثيرًا عن طريق السلام والعدالة.

*******

إذا احتاجت الحكومة إلى مساعدتنا في عمل سلمي بحت، فنحن بالطبع على استعداد للتعاون. فالمسألة هي أننا يجب علينا أن نطيع الله أكثر من الناس. مثلما يُعلِّمنا الإنجيل:

 فَأَجَابَ بُطْرُسُ وَالرُّسُلُ وَقَالُوا: «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ.» (أعمال 5: 29)

*******

مجتمع ذو نظام مختلف كُليًّا

فلنمتنع عن الانخراط في كل ما يثير الكراهية والشِّقاق! فيجب علينا أن نعيش مثلما عاش يسوع. فقد كان يساعد الجميع، روحيًّا وجسديًّا. فلا يمكننا الموافقة على أيِّ شيء يؤذي الناس. وباعتبارنا من أنصار السلام، يتعيَّن علينا أن نتجنب ممارسة أيِّ نوع من العمل التجاري أو الانخراط في أيِّ نشاط سياسي لا يتماشى مع إرادة يسوع المسيح. فيجب أن تكون حياتنا كلها وبكامل تفاصيلها مُكرَّسة للمحبة. إذ إنَّ دعوتنا الإلَهيَّة ليست لاستخدام قوة السُّلُطات الحكومية، بل لأن نحيا حياة يسوع المسيح، الذي لم يُقدِّم سوى أعمال المحبة، ولم يقتل أحدًا على الإطلاق.

*******

أنا أؤكد باستمرار على أن عالم اليوم بحاجة لبسط ذراع القانون فيه، ولوجود السُّلُطات الحكومية، وحتى لقوة السلاح، باعتبار الحكومة هي من ترتيب الله للعالم لكي يستتب الأمن ولا يتفاقم الشَّرُّ ولا تعمُّ الفوضى، فهي ضرورية للغاية. لذلك، يجب أن لا تُلغى هذه الأمور الحكومية، وإنما يُنظر إليها بأنها جزء من التدابير والآثار القديرة التي تصنعها خطوات الله الصارمة في التاريخ. ولكني أشعر، كما كان شعوري دائمًا، بأن الحياة — الحقيقة المطلقة — التي تجري من قلب يسوع، أيْ من أعماق قلب الله، تختلف اختلافًا كُليًّا عن دور الحكومة. فإنها مفارقة، ولكن يمكنك القول، إذا جاز التعبير، إنَّ خطوات الله الصارمة غالبًا ما تسلك طريقًا مختلفًا عن قلبه الحنون.

*******

نحن لا نلغي احترامنا للحكومة التي هي من ترتيب الله. فالإنجيل يوصي بذلك:

 لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. (رومة 13: 1)

أمَّا دعوتنا الإلَهيَّة — نحن المسيحيين — فتختلف كُليًّا؛ فهي تجلب معها نظامًا اجتماعيًّا يختلف اختلافًا كُليًّا عما هو ممكن في نظام السُّلُطات الحكومية والنظام الاجتماعي الراهن في البلاد. ولهذا السبب نرفض أداء القَسَم أمام أيِّ محكمة قانونية؛ ونرفض الخدمة المُسلَّحة، جنودًا أو شُرطة، في أيِّ بلد كان؛ ونرفض الخدمة في أيِّ منصب حكومي مُهِمٍّ — لأن كل هذه الوظائف مرتبطة بالمحاكم القانونية أو بقوات الشُّرطة أو بالقوات العسكرية.

*******

المسيح غاية ‏الناموس

إنَّ المسيح غاية الناموس (أو الشريعة) كما يشهد لذلك الإنجيل:

لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ. (رومة 10: 4)

فقد جاء الإيمان المسيحي. وتمَّ التخلُّص من المراقب الصارم. ومع ذلك، فالبشر يبقى بشرًا: فبمجرد أن يترك الإنسان جماعة الروح القدس، سيخضع للناموس مرة ثانية. فإذا تركنا المسيح وشركة كنيسته أصبحنا تحت سطوة السُّلطة الحكومية. ولكن الله يبقى أمينًا؛ فهو يَعزِل السُّلطة الحكومية عن الكنيسة، ويَعزِل وحدة الكنيسة عن السُّلطة الحكومية.

*******

من المثير للاستغراب أن مجامع الكنيسة المسماة بالكنيسة الاعترافية في ألمانيا رفعت هذا الشِّعار: «لا انسحابًا من الكنيسة الرسمية للدولة!»[1] غير أن تصريحًا كهذا يشلُّ كل مبادرة مهما كانت صغيرة. لأنه إذا أصبحت تلك الكنيسة لا تؤمن بالأساس بالله أو بوصاياه، فلا جدوى من القول: «إننا نحتج، ولكننا نبقى في الكنيسة الرسمية للدولة.» فإذا كانت تلك الكنيسة مُسيِّرة من قِبل الشياطين والوثنية، فلا جدوى من القول: «إننا نحتج، ولكننا نبقى في الكنيسة الرسمية للدولة.»

إنَّ سبب هذا الموقف المتراخي واضحٌ. وذلك لأنه حتى الجماعات المُحتجَّة في الكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية تُقدِّم ولاءً غير مشروط للسُّلطات الحكومية النازيَّة. فإنهم على استعداد للمشاركة الفعالة في المناصب الحكومية. فما الفائدة إذن، إذا احتجوا — من داخل الكنائس — على بعض الأحداث المتفرقة التي تؤدي إلى قمع حرية التعبير عن الرأي، وعمليات القتل الوحشية، وغيرها من الفظائع، بينما يدعمون من الناحية الأخرى التطبيق الشامل لهذا النظام الشرير؟ وها نحن نرى منذ عهد طويل التبعات السلبية والمدمِّرة الناجمة عن فشل كنائس الإصلاح في اتخاذ موقف مسيحي أصيل، كموقف المسيحيين الأوائل، من موضوعي السُّلُطات الحكومية والمجتمع.[2] ونحن ندفع ثمن الخطايا التاريخية لتمرُّد الفلاحين (والحرب التي أفرزها) ألا وهي: العبودية لحكم الأمراء والسلاطين،[3] والاعتداءات الشنيعة التي اُرتُكِبتْ بِحقِّ الحركة المسيحية الشعبية المعروفة باسم أنابابتسم Anabaptism.[4] ويُذكِّرنا هذا أيضًا كيف بيعت الديانة المسيحية في إنجلترا إلى السُّلُطات الحكومية.

ويرجع سبب هذا الخطأ إلى إساءة فهم كلام القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة، الإصحاح 13، الآية الأولى: «لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ.» وقد قامت الكنائس الرسمية بذكر الآيات 1–5 مرارًا وتكرارًا للدفاع عن انخراطها في السُّلُطات الحكومية:

 لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ. حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ، يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً. فَإِنَّ الْحُكَّامَ لَيْسُوا خَوْفًا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ بَلْ لِلشِّرِّيرَةِ. أَفَتُرِيدُ أَنْ لاَ تَخَافَ السُّلْطَانَ؟ افْعَلِ الصَّلاَحَ، فَيَكُونَ لَكَ مَدْحٌ مِنْهُ، لأَنَّهُ خَادِمُ اللهِ لِلصَّلاَحِ! وَلَكِنْ إِنْ فَعَلْتَ الشَّرَّ، فَخَفْ، لأَنَّهُ لاَ يَحْمِلُ السَّيْفَ عَبَثًا، إِذْ هُوَ خَادِمُ اللهِ، مُنْتَقِمٌ لِلْغَضَبِ مِنَ الَّذِي يَفْعَلُ الشَّرَّ. لِذَلِكَ، يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ. (رومة 13: 1–5)

وبناء على ما جاء أعلاه، فإنَّ الآيتين 6 و 7 تنُصَّان على أنه يجب على المسيحيين دفع الجزية أو الضرائب:

 فَإِنَّكُمْ لأَجْلِ هَذَا تُوفُونَ الْجِزْيَةَ أَيْضًا، إِذْ هُمْ خُدَّامُ اللهِ مُواظِبُونَ عَلَى ذَلِكَ بِعَيْنِهِ. فَأَعْطُوا الْجَمِيعَ حُقُوقَهُمُ: الْجِزْيَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِزْيَةُ. الْجِبَايَةَ لِمَنْ لَهُ الْجِبَايَةُ. وَالْخَوْفَ لِمَنْ لَهُ الْخَوْفُ. وَالإِكْرَامَ لِمَنْ لَهُ الإِكْرَامُ. (رومة 13: 6–7)

ولكن، بعد ذلك، يأتي جواب القديس بولس الرسول على موضوع الدور الذي تلعبه الحكومة. فيأتي جواب المحبة أولاً:

 لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. لأَنَّ «لاَ تَزْنِ، لاَ تَقْتُلْ، لاَ تَسْرِقْ، لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ، لاَ تَشْتَهِ،» وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى، هِيَ مَجْمُوعَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ: «أَنْ تُحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَصْنَعُ شَرًّا لِلْقَرِيبِ، فَالْمَحَبَّةُ هِيَ تَكْمِيلُ النَّامُوسِ. (رومة 13: 8–10)

وتتحدَّث الآيتان 11 و 12 عن المستقبل الإلهي:

 هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. (رومة 13: 11–12)

. . . . لقد تحدثنا عن الأصل الإلهي للسُّلطة الحكومية، بالمعنى النسبي. (رومة 13) ولنتحدث الآن عن أصلها الشيطاني، بالمعنى النسبي. فمن البديهي أن أيَّ صِلَةٍ بالشَّرِّ هو شرٌّ، لذلك لابد لهذه الصِّلَة أن تبعدنا عن الله وتأخذنا إلى إبليس. ولم يؤسس الله السُّلطة الحكومية إلاَّ على أساس علاقتها بالشَّرِّ، أيْ بالمعنى النسبي، ولابد أن تسقط في نهاية الأمر في يد إبليس. (اقرأ رؤيا 13 وبالأخص الآية 7) وهذه فكرة صعبة الفهم. فهذا النظام النسبي هو ليس إرادة الله المُطلقة. ومع ذلك، فإنَّ الله لا يتخلَّى كُليًّا عن البشرية. فهو يعطيهم نظامًا نسبيًّا. لأنه لو تخلَّى الله عنهم كُليًّا، لَمَا كان في وسعهم سحب نَفَسٍ واحدٍ إلى داخل صدورهم؛ كما يقول الإخوة الهوتريون Hutterians بهذا الصدد: «لن يبقى لديهم أيُّ نفخة في رئاتهم.» ولن يبقى لديهم ما يأكلونه أيضًا.

إذ يسمح الله لشمسه بأن تشرق ولسمائه بأن تمطر على كُلٍّ مِن الخطأة والصالحين على حدٍّ سواء. فلدى كل إنسان شيء من الله.

فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. (متى 5: 45)

كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. (يوحنا 1: 9)

وهناك شرارة إلَهِيَّة في كل إنسان، حتى في امرأة عاهرة في بيت دعارة. ولهذا السبب تُعتبر روايات دوستويفسكي بالغة الأهمية.[5] فقد وضع الله نظامًا حتى في بيت الدعارة، وحتى في الجيش. ولكنه نظام ينتسب إلى الجحيم. إذ يحافظ الله على النظام، حتى في الجحيم. . . .

فالحكومة والقوة المسلحة للشرطة هما من وسائل الله للتعامل مع ما هو شرير في العالم، وليس مع ما هو خيِّر. فلا ننكر الحاجة الضرورية للقانون والنظام في عالم الشَّرِّ هذا. وهو نظام وضعه الله، ولكنه نظام نسبي. أمَّا نظام الله المُطلَق والخالص فهو المحبة.

لاَ تَكُونُوا مَدْيُونِينَ لأَحَدٍ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، لأَنَّ مَنْ أَحَبَّ غَيْرَهُ، فَقَدْ أَكْمَلَ النَّامُوسَ. (رومة 13: 8)

ففي الأجواء المُطلقة للمحبة، لا يمكن أن يكون هناك أيُّ مشاركة فعالة في السُّلطة الحكومية؛ وفي الأجواء ‏المُطلقة لله، لا يمكن أن يكون هناك‏ أيُّ شرطة بقوتها المسلحة‏. فإننا نتعامل مع مجالين منفصلين: أحدهما مجال الشَّرِّ والسُّلطة الحكومية؛ والآخر مجال المحبة وقوة الروح القدس. . . .

أمَّا المسيح فيقول ما يلي: «لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ.» فاعْبُدوا الرب الإلَه بطريقة مُطلَقة وخالصة، وليس بطريقة نسبية كطريقة السُّلُطات الحكومية. ولهذا السبب رفض يسوع المسيح أن يصبح إمبراطورًا رومانيًّا كالإمبراطور نيرون. وإنما أصبح يسوع المسيح، واكتملت المحبة فيه.

*******

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»



[1] الكنيسة الاعترافية Confessing Church كانت حركة لمقاومة تحويل البروتستانتية إلى نازيَّة في ألمانيا ومقاومة إدخال الأفكار النازيَّة المتعارضة مع الإنجيل إلى الكنائس. فكانت تسعى إلى مقاومة استيلاء القيادة النازيَّة على الكنائس البروتستانتية من دون الانسحاب من كنائس الدولة الرسمية. وكان أهم تعبير لها هو ذلك الإعلان الذي أعلنه مجمع كنيستهم في مدينة بارمن الألمانية الذي يُسمَّى اعتراف بارمن Barmen Confession (مايو 1934م).

[2] عند انخراط الكنيسة في السُّلُطات الحكومية وسياساتها، هناك دائمًا مساومات فظيعة على وصايا الرب نتيجةً لذلك.

[3] كان الجيل الأول من زمن الإصلاح البروتستانتي مضطربًا بشدة بسبب سلسلة من الانتفاضات العنيفة للفلاحين في العديد من الأراضي الألمانية، بين عامي 1524 وعام 1525م. أمَّا ردُّ المُصلِحَين الكنسيين مارتن لوثر Martin Luther وأولريش زوينجلي Ulrich Zwingli على مطالبة الفلاحين بالتغيير الاجتماعي فكان الالتزام الراسخ لحركتهما الإصلاحية بالتحالف مع الحكومات القائمة، الأمر الذي كان مُخيِّبًا للآمال.

[4] أنابابتسم ‏Anabaptism‏: حركة مسيحية إصلاحية جادَّة نشأت في القرن الميلادي السادس ‏عشر في أوروبا، التي كانت تؤمن بأحقيَّة الكتاب المُقدَّس، ولم تُعمِّد إلاَّ المؤمنين البالغين ‏الذين يأتون طوعيًّا بأنفسهم إلى الكنيسة لتكريس حياتهم كليًّا للجماعة المسيحية. ولم ‏تؤمن هذه الحركة بالطبقية بين أفراد الكنيسة بل بضرورة التضامن فيما بينهم. ولم تؤمن بالطلاق أو ‏الإجهاض أو العنف أو الانخراط بالسياسة، ولم تدعم الحروب وسفك الدماء، وآمنتْ بوجوب الانفصال ‏التام بين الكنيسة والدولة. وقد لاقت الاضطهاد الشديد من كلٍّ من البروتستانت والكاثوليك، ولكنها نجت مع ذلك، وكنائسها موجودة لحد يومنا المعاصر.

[5] كان دوستويفسكي، واسمه الكامل فيودور دوستويفسكي Fyodor Dostoyevsky (ولادة 1821م – وفاة 1881م) من رواد الكُتَّاب الروس والأدب العالمي، ومن أشهر كُتَّاب الرواية في العالم الذين تناولوا المواضيع المسيحية في أعمالهم الروائية. فقد أثَّرت في أعماق كيانه واقعية رسالة الإنجيل ومحبة المسيح الشافية إلى أبعد الحدود. فتتضمن كتاباته دعوة تهزُّ الضمير للتفكير العميق من أجل إصلاح الحياة والمجتمعات. وتنشر دار المحراث للنشر مُختارات من أعماله الروائية في كتاب بعنوان «الإنجيل في روايات دوستويفسكي.»


illustration of sun and rays over a dark city
مساهمة من EberhardArnold2 ايبرهارد آرنولد

كان ايبرهارد آرنولد لاهوتيًّا، وتربويًّا، ومُحرِّرًا صحفيًّا، وتأسست على يده كنيسة الحياة المشتركة المعروفة باسم ‏برودرهوف ‏Bruderhof‏ التي تعيش جميع مجتمعاتها في بعض الدول حياة مسيحية مشتركة

اِقرأ المزيد
1 تعليقات