My Account Sign Out
My Account
Child running toward her mother

الأطفال والخطيئة

24 مارس. 2016

اللغات المتوفرة: español ، 한국어

0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

وإذا قُلنا إنَّنا بِلا خَطيئَةٍ خَدَعْنا أنفُسَنا وما كانَ الحَقُّ فينا. أمَّا إذا اعتَرَفنا بِخَطايانا فَهوَ أمينٌ وعادِلٌ، يَغفِرُ لَنا خطايانا ويُطَهِّرُنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. (اقتباس من الإنجيل، 1 يوحنا 1: 8 – 9)

بالرغم من النزعة الخاطئة لكل إنسان، إلا أن الأطفال هم أقرب الناس إلى الله منا نحن البالغين، ولو كان هناك من هو أولى بدخول ملكوت السماوات فلا يوجد غير الأطفال. لكنه من الخطأ أن نعتبر الأطفال صالحين بطبيعتهم – وأن نكون متفائلين وإيجابيين ونعمل على تبرير كل ما يقومون به على اعتبارها مجرد أعمال صبيانية.

ويجب علينا أن نتذكر أنه عندما يسيء الأطفال في أعمالهم، فهم لا يقصدون دائما المقاصد التي نقصدها نحن البالغين، لكن ومع ذلك فإنه من الخطأ الاعتقاد بأنهم معصومين من الخطيئة، لأنهم ليسوا كذلك، ولابد من مساعدتهم على اختيار الحق دون الباطل مرة بعد أخرى. ولما كانوا يتمتعون بإرادة حرة كاملة فيجب أن لا ندعهم يسقطون فريسة للشرّ، وإنما يجب أن نكسبهم لصالح الخير.

إن التعامل القاسي والوحشي مع الأطفال هو دائما عمل باطل، لكن هكذا الحال مع التساهل الزائد والإباحة أيضا. غير أن التأديب التربوي وحتى العقوبة ما يزالان ضروريان، لكن ذلك يتوقف على وجود علاقة المحبة والثقة. فلو كنا نحب الله، ولو أردنا أن نرشد أولادنا إليه، لتوصلنا إلى «الملح» الذي يذكره الإنجيل الذي تتطلبه المحبة الصحيحة. (الملح يرمز إلى جدية وسلامة التعامل وليس إلى سطحيته).

وبغض النظر عن مدى صغر الطفل فبوسعه دائما أن يتعلم الاعتذار لو فعل فعلة خاطئة – وبوسعه أن يتعلم الاعتذار بصدق أيضا ويعني ما يقوله عندما يطلب العفو والسماح. ولكي يتعلم الإنسان على فضيلة التواضع فيعوزه العمر كله، لذلك فلو لم يغرس الآباء فضيلة التواضع في نفوس أولادهم منذ الصغر فسوف يكتشفون صعوبة غرسه عندما يكبر أولادهم في السن. لكن المثل القائل: «أولاد صغار، مشاكل صغيرة، وأولاد كبار، مشاكل كبيرة.» ينبغي لنا أن لا نستبعده على أساس أنه مجرد كلام فارغ قديم؛ لأن الأهالي الذين ينتصرون على رذيلة العناد لدى ولدهم الذي بعمر ثلاث سنوات سوف يخطون خطوات متقدمة أكثر من الأهالي الذين ينتظرون أن يبدؤوا في معالجة المشكلة نفسها في سن المراهقة.

ويكون أحيانا السلوك السيء لدى الأولاد هو بمثابة صرخة من أجل لفت انتباهنا إليهم أو نتيجة حتمية لنقص المحبة تجاههم. وفي هذه الحالات يجب علينا أن لا نتعجّل ونستنبط استنتاجات سلبية أو نظن أن الطفل فعل شيئا خاطئا عن عمد. لأن الأطفال هم في مركز عالمهم الصغير، ويرون العالم كله من حولهم من وجهة نظرهم. فعندما يأخذون شيئا لهم بحماس، فإنه ليس لأنهم أنانيون، بل لأن ذلك الشيء أبهرهم. ومثل هذا التمركز الذاتي الطبيعي هو ليس خطأ في حد ذاته. لكن على الرغم من ذلك، فإن الأطفال بحاجة إلى مساعدة على رؤية الأمور التي خارج نطاق أنفسهم عندما يكبرون في السن وعدم التقوقع حول الذات.

عندما يتباهى الأطفال للفت الأنظار أو عندما يؤذون الآخرين – أو عندما يكذبون أو يسرقون – فترانا نتعجّل أن لا نلقي اللوم إلا عليهم. لكن الآباء الحكماء سوف ينظرون إلى أنفسهم أيضا، ويتساءلون عن ما في داخلهم شخصيا بحيث أنه أدى إلى سلوك كهذا. وينصحنا القسيس الألماني بلومهارت بأن نوجّه السيف نحونا شخصيا، ونقتطع الخطيئة من داخل قلوبنا – تلك الخطيئة التي يمكن أن تظهر في أولادنا.

والأطفال الذين يغارون من الآخرين أو المشاكسون يجب مساعدتهم على حل خلافاتهم بطريقة إيجابية. ولدى الأطفال أيضا قدرة مذهلة للشفقة، ويجب أن يكون تركيزنا الرئيسي على التشديد على هذه القدرة وليس على محاربة ميولهم الأنانية. لأنهم، بهذا الأسلوب، سوف يبدؤون باستيعاب معنى الوصيتين الكبرتين، الأولى: «أحِبَّ الرَّبَّ؟ إلهَكَ بِكُلِّ قَلبِكَ، وبِكُلِّ نفسِكَ، وبكُلٌ عَقلِكَ.» والثانية: «أحِبَّ قَريبَكَ مِثلَما تُحبُّ نفسَكَ.» (متى 22: 37-39)، (القريب هنا يعني: أخونا الإنسان).

ومن المهم أن يتعلم الأطفال أيضا أن الدنيا هي ليست مكان تتوافر فيه فرص متكافئة – بل هي «غير عادلة وغير منصفة.» والأطفال الذين يقبلون هذه الحقيقة في سن مبكرة سوف يكونون متسلحين بشكل أفضل عندما يكبرون للتعامل مع الوحشية التي يتسم بها عالم الكبار. لكن مع ذلك، ينبغي علينا أن لا نهمل تأثيرات شخصية الطفل ولا مكانته في الأسرة أو في الصف المدرسي، بل أن نأخذها بالاعتبار. هل هو (أو هي) أكبر ولد بالأسرة؟ أم، الأصغر؟ لكن لا تحابوا أحدا، وتذكروا أن شيمة الكرم سوف يتعلمها الأطفال عن طريق المثال الصالح لا عن طريق المحاضرات الطويلة.

وغالبا ما يحاول الأطفال التملّص من عمل اقترفوه عن طريق إخبارنا بنصف الحقيقة وذلك بسبب شعورهم بالإحراج أو بالعار. ولو كانوا خائفين فعلا من عواقب أعمالهم، لاصطنعوا على الفور كذبة. ويجب أن لا يفاجئنا ذلك. لكن وبالرغم من كل ذلك، فلو كان الولد غير أمين، لأصبح من الضروري الوقوف على الحقائق، ومن ثم مساعدته على مواجهة الحقيقة وإصلاح الموقف.

ولو رأيت أن طفلا قد كذب ولم تكن متأكدا من الموضوع، فلا تجبره على الاعتراف. أما محاولة القبض عليه وهو «متلبسا» بما كان يفعله، أو توجيه شتى أنواع التشكيكات بدوافعه فسوف يلحق هذا ضررا بالغا في الطفل؛ وسوف يعمل على إضعاف ثقته بنفسه وتدمير الثقة بينكم وبين الطفل. لكن عوضا عن هذا، دعوا الطفل يتحسس ببساطة بأنكم غير راضيين عن الوضع، واتركوا الباب مفتوحا له لإصلاح الموقف لاحقا. وفي أغلب الأحيان يتأثر الأطفال بمثل هذا الاقتراح ويتحركون، وربما حتى يوقظون والديهم في منتصف الليل لكي يعترفوا لهم بكذبة قالوها لأن ضمائرهم تؤنِّبهم. وعندما تظهر الحقيقة، فصفقوا لهم لأنهم نظفوا سجلاتهم ويريدون أن يبدؤوا بداية جديدة. واغفروا لهم، كما يأمرنا يسوع بنفسه: «فاَغفِروا لَهُ، حتّى يغفِرَ لكُم أبوكُمُ الّذي في السَّماواتِ زلاَّتِكُم.» (مرقس 11: 25)

ويجب الإجابة بدون مداورة أو مراوغة على الأسئلة الصبيانية السخيفة حول الاختلافات بين الناس، أما كلام السخرية وقلة الاحترام والاستهزاء فلابد من مجابهته دائما؛ لأن قلة التوقير التي تبدأ نحو الآخرين يمكن لها أن تتحول بسرعة إلى قلة توقير الله سبحانه تعالى. ولهذا السبب، فإن سلوك التنابز بالألقاب أو سلوك الإغاظة، بالإضافة إلى سلوك تقليد حركات وتصرفات الآخرين أو تقليد أوصافهم الجسمية، يجب أن لا نغضّ الطرف عنه ونتجاهله.

ومثلما هو الحال مع الخطيئة الجنسية، فهكذا يجب أن لا نتجاهل أبدا رذيلة قلّة الحياء أيضا، إلا أن مواجهة هذه الرذائل بالقسوة والتزمت الأخلاقي يمكن له أن يسبب ضررا بليغا في نفسية الطفل بل حتى ضررا لا يمكن إصلاحه. فالأطفال يمرّون بمراحل من الفضول الجنسي أثناء نموهم، ويجب علينا أن لا نشبّه أبدا هذا الأمر مع فسادنا نحن الكبار. وسوف يطرحون أسئلة عن أجسادهم وعن الجنس، وينبغي علينا أن نجيب على هذه الأسئلة بصدق وبدون إحراج – لكن من دون أن نقدم لهم معلومات أكثر من التي سألوا عنها.

ولو أساء أحد الأولاد في مجال الجنس، فيجب على الوالدين أن يناشدا ضمير الولد، لكي يساعداه على اختيار الصح على الغلط. لكن ربما يكذب الولد بشأنها، لأنه يحس فطريا أن ما قد اقترفه كان أمرا سيئا. إلا أنه ومع ذلك ينبغي على الآباء أن يحرصوا على أن لا يجعلوا من القضية كبيرة زيادة عن اللزوم؛ فينبغي على الآباء أن يكشفوا الحقيقة ويبينوا ما حصل فعلا، ومن ثم يؤدبون الولد، ومن ثم يبدؤون من جديد، وينسون الموضوع كليا. أما المسائلات والتحقيقات الطويلة فلا تؤدي إلا إلى لفت انتباه الولد إلى المجال الجنسي وتثقيل كاهله بعبء التفكير به بصورة أسوأ من السابق.

ولم يتعب مطلقا أبواي اللذان كانا كلاهما معلمين من التشديد على مدى فظاعة الإجحاف بحق الأطفال أو بحق المراهقين عندما نقوم بوَسْمهم بالعار ونلصق عليهم صفة سلبية معينة بسبب ما يقترفونه من سيئات. بالإضافة إلى أنهما حذرا من مغبة استخلاص استنتاجات حول شخصية الطفل ونموه المستقبلي، غير أنهما شدّدا من ناحية أخرى على تبنّي أسلوب بنّاء لمساعدة الطفل على الحصول على اهتمامات جديدة في حياته.

ولو أخذنا بنظر الاعتبار العدد الهائل من أساليب التربية التي يجري ترويجها في هذه الأيام، لتساءلنا: يا ترى ما هي النصيحة الجيدة التي يمكن للآباء أن يثقوا بها؟ أما طبيب الأطفال الأمريكي المعروف بنيامين سبوك Benjamin Spock التي ألهمت كتبه عن التربية جيلا كاملا، فقد أشار إلى أن الآباء بالحقيقة يعرفون أكثر مما يعتقدون، وينبغي عليهم أن يثقوا بمواهبهم وقابلياتهم التي وهبها الله لهم. إن هذا الطبيب على حقّ إلى حد ما: فنحن بحاجة إلى أن نثق بما نشعر أنه صائب إذا أردنا أن نكون والدين ناجحين. إلا أن التربية تتضمن أمورا أكثر من مجرد التقنيات والأساليب، وهي حينما يدخل الله تعالى إلى حياتنا. فالآباء المتواضعون سوف يلتفتون دائما إلى الله أولا وذلك بالصلاة طلبا لأحسن الأجوبة والحلول لأولادهم.

ولو قطعنا الأمل من تغيّر الأطفال ومن إصلاحهم ووصفناهم بأنهم «ميؤوس منهم» لكان ذلك دليل على افتقارنا إلى المحبة والإيمان. فلو أحببنا أولادنا بحق لما استسلمنا إلى اليأس. فلا يحق لنا أن نفقد فرحتنا بهم حتى بعد خوض أعسر يوم معهم، ويجب أن نؤمن بأن جبروت السيد المسيح في الخلاص والشفاء موجود لهم بقدر ما هو موجود لنا.

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «لماذا يهمنا الأطفال»

0 تعليقات