My Account Sign Out
My Account
green and blue

الحياة المسيحية المشتركة

دعوة إلى المحبة والإخاء والوحدة والسلام ‏والمغفرة

بقلم ايبرهارد آرنولد Eberhard Arnold

12 نوفمبر. 2023
0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!... لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ. ‏‏(مزمور 133: 1، 3)‏

المشاركة في الممتلكات تنشأ من المحبة الأخوية

لقد أظهر لنا يسوع المسيح معنى المحبة — فالمحبة لا تعرف أيَّ حدٍّ أو قيدٍ، ولا تتوقف عند أيِّ حاجز أو مانع. فلا شيء يمكنه أن يوقِف المحبة، حتى لو بدت الظروف كما لو أنها تحجب طريقها. فكان وما يزال لدى المحبة إيمان في كل شيء. ويشهد الإنجيل للمحبة:

وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ، وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي، وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. (1 كورنثوس 13: 7–8)

لذلك، لم يسمح يسوع المسيح، الذي يعمل دائمًا بدافع المحبة، بأن توقِفه أملاك الناس أو ممتلكاتهم وتصبح حائلاً في علاقته معهم. وعندما تعرَّف يسوع على شاب غني كان يملك الكثير من الممتلكات، نظر يسوع مباشرة إلى قلبه، وقال له بمحبة:

يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلاً الصَّلِيبَ. (مرقس 10: 21)

*******‎

لقد قامت الكنيسة الأولى في أورشليم بتوزيع جميع ممتلكات أفرادها على الفور. ففي اللحظة التي حَلَّ عليهم روح المسيح، لم يقدر أيُّ منهم على أن يتمسَّك بأملاكه بعد. فقد أرغمتهم المحبة على وضع كل أموالهم أمام أقدام الرسل. وتمكَّن الرُّسُل من توزيع كل شيء بمساعدة الشمامسة. (راجع أعمال 6: 2–6) إذ تجعلنا محبة المسيح لنا نتوق توقًا شديدًا إلى التَّخلِّي عن ممتلكاتنا، والعيش في جماعة متشاركة في الممتلكات، مثلما عاشت الكنيسة الرسولية الأولى:

وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. وَبِقُوَّةٍ عَظِيمَةٍ كَانَ الرُّسُلُ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ بِقِيَامَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ، وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَانَتْ عَلَى جَمِيعِهِمْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ مُحْتَاجًا، لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ حُقُولٍ أَوْ بُيُوتٍ كَانُوا يَبِيعُونَهَا، وَيَأْتُونَ بِأَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ، وَيَضَعُونَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ، فَكَانَ يُوزَّعُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَمَا يَكُونُ لَهُ احْتِيَاجٌ. وَيُوسُفُ الَّذِي دُعِيَ مِنَ الرُّسُلِ بَرْنَابَا، الَّذِي يُتَرْجَمُ ابْنَ الْوَعْظِ، وَهُوَ لاَوِيٌّ قُبْرُسِيُّ الْجِنْسِ، إِذْ كَانَ لَهُ حَقْلٌ بَاعَهُ، وَأَتَى بِالدَّرَاهِمِ وَوَضَعَهَا عِنْدَ أَرْجُلِ الرُّسُلِ. (أعمال 4: 32–37)

إنَّ العيش في حياة مشتركة يضع الفأس على جذر الأنانية التي في داخل كل مِنَّا.

*******

عندما يسألك أحد أن تعطيه ثوبك فقط، ولكنك تعطيه رداءك أيضًا، فهذا عمل يتوافق حقًّا مع المحبة. أمَّا الاشتغال لمدة ساعتين عندما يطلبون منك مجرد الاشتغال لمدة ساعة واحدة، فينِمُّ ذلك عن محبة معطاءة بسخاءٍ كبيرٍ، مثلما علمنا يسوع المسيح على السخاء في كل شيء:

سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلاً وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلاَ تَرُدَّهُ. (متى 5: 38–42)

إنَّ الجهاد ضد الملكية الخاصة يجب أن يسبقها شيء أعمق، ألا وهو: إماتة الأنانية، وحب الذات، والعناد، والغرور.

*******

يصبح الدين ومشاعر التديُّن عديمي الفائدة إذا لم يُعبَّر عنهم بالأفعال وبالحقِّ، أيْ بحياة مشتركة حقيقية، فينذرنا الإنجيل:

وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟ يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ! (1 يوحنا 3: 17–18)

ويقول يسوع المسيح: «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ» والوصية الثانية مثلها تمامًا: «تُحِبُّ قَرِيبَكَ» فلا توجد محبة حقيقية لله إذا لم تكُن هناك محبة حقيقية لأخينا الإنسان، والعكس بالعكس. (راجع متى 22: 36–39)

فاسمعوا ما شهدنا من تجارب وخبرات: إنَّ الحياة المشتركة ممكنة بفضل الروح القدس الذي يأتينا من عند الله. لأنه عندما نمتلئ من هذا الروح ستمتلئ قلوبنا تلقائيًّا بمحبة حقيقية لأخينا الإنسان، وستنشأ فيما بيننا حياة كُليَّة المقاسمة.

*******

ليس بمقدور البشر تأسيس حياة مشتركة

من المؤكد أن الله يعمل في جميع النفوس من رجال ونساء. ولكن بمجرد شروعنا بالمغالاة بشأن هذه الحقيقة بحيث نبدأ بالإيمان بأنفسنا وحدها وبغيرنا من البشر، نكون عندئذ سائرين في المسار الخاطئ. فيجب أن يكون إيماننا بالله بأسلوب يصير فيه الله وحده مركزًا لحياتنا لا البشر، بحيث يخضع الأفراد أيضًا إلى مشيئته حين ينضم بعضهم إلى بعض في الجماعة المسيحية. فيمكن عندئذ لإرادة الله أن تعمل فينا وأيضًا بواسطتنا، ونصير نحن أنفسنا شفافين جدًا — كزجاج النافذة — بحيث لا تعود بعدئذ حياتنا الشخصية البشرية مُهِمَّة: وإنما يصبح عمل الله وحده منظورًا من خلالها. ولا أعتقد أن الحياة المشتركة للكنيسة يمكنها الخروج إلى حيز الوجود بأيِّ طريقة أخرى. لأنه مهما كان الشخص متواضعًا ومتفانيًا ومستقيمًا، لا يمكنه تأسيس حياة مشتركة بقواه الذاتية، مثلما شهد لذلك القديس بولس الرسول:

فَقَالَ لِي: «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضُّعْفِ تُكْمَلُ.» فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. (2 كورنثوس 12: 9)

*******

إنَّ إيماننا بالله ليس نتاج تفكيرنا وتمنياتنا بأن ما نطمح إليه سيتحقيق على أرض الواقع؛ إذ إنَّ أساس حياتنا المسيحية المشتركة هو الله، وليس سواه. ولكننا لا نستطيع أن نقول إننا كسبنا هذا الأساس بجهودنا الذاتية، وأصبحنا الآن نملك الديانة كواحدة من ممتلكاتنا. لا، أبدًا! فإنَّ ما لدينا الآن يلزمه أن يوهب لنا من جديد كل يوم. وهي فكرة مفزعة، ولكن يجب علينا مواجهتها: فربما نخسر إيماننا في أيِّ يوم كان. فكل ما يسعنا قوله: إننا قد وُضِعنا على هذا الأساس بفضل النعمة الإلهية. لأن إيماننا لا ينشأ عن قُدراتنا الطبيعية؛ فنحن في أمس الحاجة إلى الروح القدس ليقودنا إلى الإيمان المسيحي.

*******

إننا لا نملك شيئًا. فإنْ كُنَّا نظن سابقًا أننا نملك حياة مشتركة تملُّكًا أبديًّا، فها نحن نرى الآن ‏أننا لا نملكها. وهذا جيِّد لنا عندما نراه بوضوح. لأن الحياة المسيحية المشتركة لا تحيا إلاَّ ‏بالمسيح وبروحه المعطاء للحياة. فإذا نسيناه وأمسينا بعيدين عن تأثير بركاته في نفوسنا، ‏وإذا ضيَّعنا عمله في مجامعنا، فسينتهي أمر حياتنا المشتركة. فقد قال يسوع المسيح:

أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ. الَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هَذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ ‏تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا. (يوحنا 15: 5)‏

*******

أتستطيع كنيسة المسيح غير المنظورة أن تصبح منظورة؟

لابد أن تصبح كنيسة المسيح غير المنظورة منظورة. ولكي يحدث هذا ويراها الناس فعلاً، فمن الضروري أن تنبثق إلى حيز الوجود حياة مشتركة في الممتلكات وفي العمل، فضلاً عن الموائد المشتركة، والمقاسمة في كافة مجالات الحياة. وإنَّ كنيسة المسيح عاملة وفعَّالة في كل مكان بشكل غير منظور، أينما يمسك روح المسيح الناس. أمَّا الحياة المسيحية ذات المقاسمة التامة، فتُجسِّد هذه الوحدة غير المنظورة وتجعلها منظورة، ليس في ممارسات دينية فحسب، بل أيضًا في جميع مجالات الحياة.

*******

يتدفق تيار الوحدة والوئام من ينبوع الروح القدس إلى جميع مجالات الحياة: أولاً إلى العلاقات بين الإخوة والأخوات في الجماعة المسيحية ليجعلها علاقات أخوية – قلبية – منفتحة، ومن ثم إلى الأشياء التي حوالينا. لذلك، فإنَّ شركة في مجالات أخرى تنمو من الشركة في الروح القدس بين أفراد الكنيسة، وهي مجالات: التربية وتعليم الأولاد وأيضًا العمل، وبطبيعة الحال، إنَّ هذا معناه أننا قد حصلنا على حياة متشاركة في الممتلكات بدون أيِّ أملاك خاصة للأفراد، لأن المحرك الرئيسي لحياتنا هو المحبة. وإنَّ المحبة هي الفرحة بالآخرين. وتساعدنا هذه الفرحة، التي تفيض من ينبوع الوحدة، على تسليم كل شيء واسترخاصه لمجتمع الحياة المشتركة للكنيسة. أمَّا التَّخلِّي عن مبلغ معين من المال، فلا يعني شيئًا بالمقارنة مع تسليم كل قوانا وتكريسها لخدمة الجماعة. فها هو المسيح يشير إلى التكريس اليومي عند اتِّباعه:

إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي. فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي فَهَذَا يُخَلِّصُهَا. (لوقا 9: 23–24)

ونحن نعلم أن الثروات تنشأ من موارد الأرض، ومن جهود عمل الإنسان. فنحن نتشارك في موارد الأرض، وفي طاقاتنا العملية. ولكننا لا نريد من كل ذلك أن نعيش في أنانية جماعية لمجرد دعم أنفسنا كجماعة تعيش حياة مشتركة. وإنما من الواجب بالأحرى أن نجعل من هذه الإمكانية معروفة للآخرين، عندما تشهد حياتنا المسيحية المشتركة: نعم، يمكن للناس أن يحيوا حياة مسيحية مشتركة! ونحن نشهد لهذا الواقع ونقول: نعم، يوجد ناس يحيون الآن حياة مسيحية مشتركة! فنحن نشهد لمنبع هذا الواقع، ألا وهو: ملكوت الله المستقبلي!

*******

إنَّ خِصال سرعة الزَعَل، والتعنُّت بالرأي، وحب الذات، والتمركُز حول الذات، كلها عقبات وعراقيل. أمَّا التكبُّر على الآخرين، فهو سمٌّ قاتِلٌ. (راجع فيلبي 2: 3) وكلُّ مَنْ لا يزال لديه هذا الموقف وهذه الخِصال، يكون غير قادر عمومًا على العيش في الحياة المشتركة. وسيكون عاجزًا عن الاشتراك في الوحدة التي نريد أن نحيا لأجلها. فهذه نقطة مُهِمَّة جدًا. لأننا عندما نفكر في الآخرين وفي أحوالهم، وعندما نحاول رؤية أطيب خصال فيهم، سيساعدنا هذا الأمر في عدم الاستعلاء عليهم، وعدم رؤية أنفسنا وكأننا متنورون أكثر منهم. فمن السهل أن نرى جسامة نقائص الآخرين، وأن ننسى أنفسنا بأننا مجرد ناس ضعفاء. وينبغي أن لا نحاول دائمًا تصحيح أخطاء الآخرين. فيجب علينا أن نصالح أنفسنا مع النقص البشري.

*******

هل الحياة المسيحية المشتركة مشيئة الله؟

سأَلَنا مرة أحد الضيوف: «هل تريدون القول إنَّ جماعة برودرهوف هي مشيئة الله؟»

فأجابه ايبرهارد: إنَّ مشيئة الله ليست جماعة برودرهوف، وإنما الحياة المسيحية المشتركة. فالشيء المهم الذي أدركناه هو طبيعة الحياة التي عاشها يسوع المسيح مع تلاميذه، وكذلك طبيعة حياة الكنيسة الأولى في أورشليم. ونرى كذلك العهد القديم النبوي، باعتباره كلامًا من الله، يوصي بأننا ينبغي أن نعيش معًا في كنيسة ذات حياة مشتركة:

هُوَذَا مَا أَحْسَنَ وَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْكُنَ الإِخْوَةُ مَعًا!... لأَنَّهُ هُنَاكَ أَمَرَ الرَّبُّ بِالْبَرَكَةِ. (مزمور 133: 1، 3)

فينبغي أن نعيش هذه الحياة في سلام وعدل وسرور، مثلما وصفها بولس الرسول:

لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ. (رومة 14: 17)

والمقصود من حياتنا المسيحية بأسرها هو أن توحي بطريق الحياة المشتركة بكل تواضع.

*******

نحن نؤمن برحمة الله الواسعة على جميع البشر. ولهذا السبب لا نشعر بضرورة جعل جميع البشر أفرادًا في جماعة برودرهوف، رغم ابتهاجنا بكل إنسان ينضمُّ إلى حياتنا المشتركة معنا. ثم إننا لا نؤمن بأن كل مَنْ لا ينتمي إلينا سيكون من الخاسرين، ولكننا نريد أن نعيش الحياة المشتركة حتى نهاية عمرنا، لأننا نؤمن بأن هذه هي دعوتنا الإلهية، وهي لمصلحة البشرية جمعاء. إضافة إلى أن الوفاء لهذه الدعوة لا يتوقف على عدد الذين يريدون الانضمام إلينا في الحياة المشتركة. إذ يعني الوفاء لهذه الدعوة ببساطة أن نعيش حياة مشتركة بذلك الأسلوب الذي تتمكن به حياتنا من أن تكشف للناس محبة الله الآب، والوحدة التي يريدها الله الآب، بطريقة إيجابية وملموسة. ثم إننا نؤكد مرة بعد أخرى على كلام الكتاب المُقدَّس الذي يقول بِحقٍّ: «اَللهُ مَحَبَّةٌ؛» فلدينا قناعة وجدانية بأنه كلامٌ صادقٌ. ويمكننا أيضًا أن نعكس ذلك ونقول: «أينما توجد محبة حقيقية، يوجد الله هناك.» كما يقول الإنجيل:

وَمَنْ لاَ يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّةٌ... أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، إِنْ كَانَ اللهُ قَدْ أَحَبَّنَا هَكَذَا، يَنْبَغِي لَنَا أَيْضًا أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا. اَللهُ لَمْ يَنْظُرْهُ أَحَدٌ قَطُّ. إِنْ أَحَبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا فَاللهُ يَثْبُتُ فِينَا، وَمَحَبَّتُهُ قَدْ تَكَمَّلَتْ فِينَا. (1 يوحنا 4: 8، 11–12)

لذلك، فمن الواضح لنا أن هذه المحبة الحقيقية تعني الوحدة، والحياة المشتركة، والتعاون، والخدمة المتبادلة، والتَّخلِّي عن كل ما نملكه كأفراد، والفرح بعضنا ببعض! عندئذ نكون مُتَّحِدين في المحبة، ويسعنا القول: «إنَّ الله وحدة ووئام، وإنَّ الذي يثبت في هذه الوحدة يثبت في الله والله فيه.» كما يقول الإنجيل:

وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي لِلَّهِ فِينَا. اللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ. (1 يوحنا 4: 16)

*******

هل الحياة المشتركة وسيلة للتهرُّب؟

انبثقت حياتنا المشتركة منذ البداية كردٍّ على انتشار معاناة وآلام الناس التي كانت تحيط بنا. ولم يكُن السبب في تركنا للمدن الكبيرة هو الانسحاب من العالم وهجره. ثم إننا لم يكُن لدينا أيُّ نِيَّة في التملُّص من مسؤولياتنا نحو المجتمع والناس، عندما انتقلنا إلى هذا المكان الواقع على جبل (الذي يبدو معزولاً جدًا للوهلة الأولى). ولكن بالعكس، فقد شعرنا بأننا سنتمكن على الأرجح من التأثير في المجتمع الواسع حوالينا تأثيرًا أكبر، وذلك بتجميع قوانا وتسخير طاقاتنا تسخيرًا متعاوِنًا. ولا يزال اهتمامنا الأول والأخير لحد هذا اليوم أن يكون لحياتنا المشتركة تأثير في العالم من حولنا. فقد صَلَّى المسيح:

وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هَؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. (يوحنا 17: 20–23)

*******

نستغرب دائمًا عندما يقول الناس لنا إننا تركنا العالم، ولم نَعُد نعيش فيه، لأننا نعيش في جماعة برودرهوف فقط، أو في أيِّ جماعة مسيحية أخرى تعيش حياة مشتركة. إلاَّ أننا في الحقيقة لا نزال نعيش في وسط العالم، حالنا حال أيِّ شخص آخر. فنحن لسنا أشباحًا، وإنما بشر من لحم ودم نعيش هنا على هذه الأرض، إضافة إلى أنه يتحتَّم علينا أيضًا أن نسأل الله أن يسترنا من الشَّرِّ الذي في العالم، وإلاَّ فإننا سنضيع، مثلما صَلَّى المسيح:

لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. (يوحنا 17: 15–16)

ويرجع سبب هذا المفهوم المغلوط إلى أنه قد تمَّ إضفاء طابع روحاني بحت على كلام يسوع، ذلك المفهوم المناقض للروح الحقيقي ليسوع. فتعمل هذه الغلطة على تحويل الواقعية التي يتصف بها الكتاب المُقدَّس إلى غموض مُعتم تَنقبِضُ منه النفس.

*******

أوصانا الإنجيل بأن نبقى سهارى على مصلحة إخواننا البشر وليس على مصلحتنا الشخصية.

لاَ يَطْلُبْ أَحَدٌ مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مَا هُوَ لِلآخَرِ. (1 كورنثوس 10: 24)

فكيف لهذا أن يتحقق؟ إنَّ ذلك لا يتحقق إلاَّ في الحياة المشتركة ذات التكريس الكامل، حيث تكون كل الممتلكات مشتركة. ومما لا شك فيه أن الملكية المشتركة يجب أن لا تؤدي أبدًا إلى أنانية جماعية. لأنه ليس المقصود منها أن تصبح مشروعا مشتركا لصالح أعضائها، ولا شراكة من أجل تحقيق أرباح لشُركائها. ولكن عوضًا عن ذلك، يجب على الملكية المشتركة أن تكون كلها مُكرَّسة للخدمة التي تفيد الجميع، ومُكرَّسة لمجتمع البشرية جمعاء في ملكوت الله المستقبلي، ومُكرَّسة للإيمان المسيحي الإيجابي الذي يتوجَّه بأنظاره وقلبه إلى البشرية جمعاء.

 

هذه المقالة مأخوذة من كتاب «ثورة الله»

community playing games
مساهمة من EberhardArnold2 ايبرهارد آرنولد

كان ايبرهارد آرنولد لاهوتيّا، وتربويّا، ومحررا صحفيّا، وراعيّا لكنيسة الحياة المشتركة «برودرهوف Bruderhof».

اِقرأ المزيد
0 تعليقات