Subtotal: $
Checkout
عز الدين أبو العيش Izzeldin Abuelaish
بطل مسلم في المغفرة
اِبتسامة أمل للمستقبل
بقلم يعقوب يوسف Yacoub Yousif
2 أكتوبر. 2017
لقد صار الأخ عز الدين أبو العيش معروفا لدى الكثيرين بفضل قصته التي تتسم بروح المغفرة والتسامح نحو قتلة بناته الثلاثة وابنة أخيه في حرب غزة عام 2009م بين الإسرائيليين والفلسطينيين. فهو يؤمن إيمانا وجدانيا بضرورة التعايش السلمي بين الناس لاسيما بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأيضا الاحترام المتبادل بل حتى محبة بعضهم بعضا. ويؤمن بأن الحل للقضية الفلسطينية يكمن في السلام والمصالحة بين الطرفين لأنه يرى أن الناس لا يختلف بعضهم عن بعض. فجميعهم لديهم قلب نابض ورغبة في السلام، على خلاف ما يراه على الصعيد السياسي.
وقد عمل الأخ عز الدين كطبيب أمراض العقم في مستشفى إسرائيلي، وأيضا باحثا طبيّا، وهو أول طبيب عربي من غزة يعمل في مستشفى إسرائيلي، حيث كان يعالج مرضاه من فلسطينيين وإسرائيليين بغض النظر عن أصلهم. ولذلك كان لديه الكثير من زملاء العمل والأصدقاء والمعارف في إسرائيل والكثير من هذه العلاقات كانت حميمة للغاية. ثم إنه قد حصل على شهادات طبية متخصصة من جامعات دولية معروفة.
والأخ عز الدين يعرف جيدا معنى المعاناة لأنه قاسى كثيرا مع أهله مما أفرزته أحداث عام 1948م عند تأسيس دولة إسرائيل. وطفولته كانت صعبة للغاية وعانى من الحرمان والظروف المعيشية القاسية جدا وبشكل غير معقول. وقد اشتغل أشغالا شاقة ومختلفة وهو في عز صباه. لكن كل هذه الحياة القاسية خلقت في داخله تصميما وعزما وطموحا وسعيا لمستقبل أفضل له ولشعبه.
ويمكنكم قراءة قصة حياته الكاملة في كتابه بالعربية "لن أكره" وبالإنكليزية "I Shall not Hate" وقد حاز عز الدين على جوائز دولية تقديرية كثيرة. وهو يقوم حاليا بترويج السلام والمصالحة هو وأولاده وبناته. وقد أسس مؤسسة "Daughters for Life Foundation" إحياء لذكرى بناته الثلاث، حيث تقدم هذه المؤسسة المنح الدراسية لتشجيع الشابات لمتابعة دراساتهن في جامعات فلسطين وإسرائيل ولبنان والأردن ومصر وسوريا.
ولم يأت قراره بمسامحة اليهود بهذه السهولة فقد صارع داخليا في نفسه في هذا الموضوع، فكانت أصوات كثيرة تدعوه إلى الانتقام والأخذ بالثأر، لكن كان هناك صوتا آخرا يدعوه إلى التسامح وإلى عدم إراقة الدماء وإلى كسر دوامة الشر ودوامة الانتقام، وكان ذلك الصوت هو صوت ضميره. فكان يتساءل ممن سيأخذ الثأر، هل سيأخذه من أولئك الأطفال الإسرائيليين الأبرياء الذين كان يساعدهم على أن يولدوا؟ أم، من أمهاتهم؟ أم، من تلك الأسرة اليهودية التي قدمت له عملا أثناء صباه؟ أم، من أصدقائه الإسرائيليين؟ أم، من زملاء عمله في المستشفى؟ أم، من أصدقائه من دعاة السلام اليهود؟
وقد استضافته إحدى مدارس كنيستنا في الولايات المتحدة الأمريكية ليتكلم إلى طلاب الإعدادية عن تجاربه في الحياة وعن طموحاته وأمنياته للآخرين. وهو مليء حماسة وإيمان بقدرة الإنسان على تغيير الأوضاع من حوله. وبالرغم من أن دموعه كانت تسيل أثناء إلقائه الخطاب على الطلاب بسبب عذابه القلبي ولوعته وحزنه على فقدانه لبناته الثلاث وبالرغم من الحرمان الذي لاقاه في طفولته وشبابه وهو يترعرع في مخيم جباليا في غزة إلا إننا رأينا أنه لم يسلّم نفسه إلى فخ الكراهية وجنونها وتهوّرها، رافضا أن يقع في براثن الأحقاد المريضة، ولم يدعها تستولي عليه، بل نَشَلَ نفسه منها واختار طريق السلام والمسامحة والمصالحة والكرامة الإنسانية. لأنه يعلم أن روح الانتقام والعنف لا تنتمي إلى الروح الإنسانية الأصيلة بل هي دخيلة عليه ولا تفرز إلا خرابا وموتا. وهو لا يريد أن يعيش وفقا لها بل وفقا لروح الحياة. وهنا نتذكر كلام السيد المسيح وهو على الصليب عندما صلى لأبيه السماوي من أجل قاتليه، قائلا: "يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". (لوقا 23: 34) وهو يؤكد أن إيمانه بالله ودينه الإسلامي هو الذي يقويه على المضي في طريق السلام والغفران.
ومن المثير للانتباه، نرى أن قصته تشبه قصة يوسف بن ألِعازَر Josef Ben-Eliezer الذي له خلفية يهودية وقصة ألياس شقور الفلسطيني المسيحي الذي كتب كتاب "أُخوّة الدم" وبالإنكليزي "Blood Brothers". فنرى أن هؤلاء الثلاثة، مسلم ويهودي ومسيحي، عانوا الأمرَّين من جراء أحداث زمان الحرب العالمية الثانية وأحداث عام 1948م، وما خلفته من أحداث وحروب ومآسي، وقصصهم تقطّع القلب، إلا أنهم لم يسلموا أنفسهم للبغض والكراهية والعنف بل اختاروا طريق الغفران والسلام والمصالحة والمؤاخاة.
وفي هذه السطور القليلة لا يسعني التعبير عن كل ما خاضه الأخ عز الدين أبو العيش في حياته وعن كيفية وصوله إلى قراراته المسالمة الصعبة، ونصيحتي هي أن تقرؤوا كتابه "لن أكره"، لكن قبل أن تقرؤوه يجب أن تعلموا إن القصة تدور بالحقيقة حول موضوع صراع الحياة، والتواجه مع حقائق مرّة وصعبة، وسوف يأخذكم الكتاب إلى خيار السلام والغفران، ونبذ العنف والكراهية، الأمر الذي يجعلنا كلنا نصارع نفسيا مع قيمنا ومبادئنا المليئة بالعنف ومع انتفاخنا وكبرياؤنا، لكي نتمكن من اختيار مثل هذا القرار الصعب، قرار الغفران والمسامحة والمحبة، فهل تجرؤون على قراءته؟

نانسى
بصراحه لا توجد كلمات استطيع ان اكتبها فهو بالحقيقه رائع افضل مننا