My Account Sign Out
My Account
See of Galilee

اختار طريق الإخاء

بقلم يوهان كريستوف آرنولد Johann Christoph Arnold

4 نوفمبر. 2019
0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

يوسف بن إليعازر Josef Ben-Eliezer وهو فرد آخر في مجتمعاتنا المسيحية لكنيستنا وهو من أُسرة يهوديةّ وُلد في عام 1929 في فرانكفورت بألمانيا من أبوين يهوديين من أوربا الشرقية. وقد هاجر والداه من بولندا مثلهمُا مثل آلاف آخرين للهروب من الاضطهاد والفقر. إلا ّأنّهم لم يُنجوا من أيّ منهُما. فيقول يوسف:

تقابلتُ لأوّل مرةّ مع مُعادين الساميّة عندما كُنت في الثالثة من عُمري أثناء مُراقبتنا لرتل من شباب هتلر وهُم يمُرُّون من أمام نافذة منزلنا في الشارع الشرقي Ostendstrasse وهُم يُغنُّون أُغنية كانت مفهومة للجميع وحتى أنا، الطفل الصغير، فهمتُ معناها في ذلك الوقت. فكانت تقول: "عندما تسيل دماء اليهود من خناجرنا... إلخ"، وما زلت أذكر الرُعب الذي كان يظهر على وجه والدايَّ.

وسرعان ما قرّرتْ عائلتنا ترك البلد. وفي نهاية عام 1933 عُدنا ثانية إلى مدينة روزفادوف في بولندا المُطلة على نهر سان. وكان مُعظم سُكّانها من اليهود الذين يعملون كحرفيين، وخيّاطين، ونجّارين وتُجّار. وكان هناك فقرٌ شديدٌ، ولكن بالرُغم من هذا الفقر الشديد كُنّا نُعتبر من الطبقة الميسورة، وعشنا في روزفادوف طوال الستّة أعوام التالية.

وفي عام 1939 بدأت الحرب. وفي غضون أسابيع دخل الألمان إلى مدينتنا. واختبأ أبي وأخي الأكبر في العُلِّيَّة العليا، وعندما كان يُقرع على الباب ويسأل أحدٌ عنهما كُنّا نُخبره بأنّهُما ليسا بالمنزل.

وجاء الإعلان العام الرهيب بأنّ كلّ اليهود عليهم أن يجتمعوا في الميدان الرئيسيّ بالمدينة. وأُعطيت لنا مُهلة ساعات قليلة فقط. فأخذنا ما استطعنا حمله – مجرد وضعناه في صُرّة لنتمكّن من حمله على ظهورنا. ومن الميدان أجبرنا جنود قوات الـ SS للسير على الأقدام باتجاه نهر سان، والذي كان يبعد عدة أميال عن القرية. وكان الرجالُ المُجنّدين يرتدون الزى العسكريّ ويركبون الدرّاجات البُخاريّة من على جانبيّ الطريق. ولن أنسى كيف توقّف أحدهُم وصرخ فينا لكي نُسرع، ثم توجّه ناحية والدي وضربه.

وعند ضفّة النهر، كان هُناك جنود آخرين بزيّهم الرسميّ ينتظروننا. فقاموا بتفتيشنا بحثاً عن الأشياء الثمينة من مال أو مُجوهرات أو ساعات. (ولم يجدوا المبلغ الذي أخفاه والدي في ملابس أُختي الصغيرة). ثم أمرونا أن نعبُر النهر إلى أرض ليس فيها إنسان. ولم يُخبرنا أحد بما يجب أن نفعله، لهذا وجدنا مأوى في قرية عبر النهر.

وبعد عدّة أيّام سمعنا فجأة أنّ هذه المنطقة سيحتلّها الألمان أيضاً. فانتابنا الذُعر واشترى والديّ بالأموال التي أخفوها ومتشاركين مع عائلتين أو ثلاثة حُصانا وعربة لكي تحمل الأطفال الصغار والأشياء القليلة التي حملناها على ظهورنا.

واتجهنا شرقاً إلى روسيا أملاً في الوصول إلى الحدود قبل حلول الظلام، ولكنّنا وجدنا أنفُسنا في غابة كبيرة عندما حلّ الظلام. وهناك هاجمنا رجال مسلّحون وطلبوا أن نُعطيهم كلّ ما نملك. لقد كانت لحظات مُرعبة ولكن كان هناك بعض الرجال في مجموعتنا ممّن كانت لديهم الشجاعة لمُقاومتهم. وفي النهاية رحل الرجال آخذين درّاجة وأشياء أُخرى صغيرة.

قضت أسرة يوسف سنوات الحرب في سيبيريا. ونجح يوسف بأعجوبة في الهروب إلى فلسطين عام 1943، وبعد الحرب تقابل مع يهود نجوا من مُعسكرات الإبادة. فيقول يوسف:

لقد بدأت الدفعات الأولى من الأطفال الذين تمَّ تحريرهم من معسكري الإبادة Bergen-Belsenو Buchen-wald الألمانيين في الوصول إلى فلسطين في عام 1945. وارتعبتُ ممّا سمعته من هؤلاء الصبيان الذين بالرغم من أنّهُم لم يتجاوزوا سنّ الثانية عشرة أو الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، إلاّ أنّهُم كانوا قد مرّوا بأحداث رهيبة. وكان مظهرهم يشبه العجزة. وشعرتُ بالاشمئزاز والإحباط.

وقد صارعتُ كثيراً مع موضوع الاحتلال البريطاني للبلد طوال الثلاث سنوات التي تلتْ. وامتلأتُ بالكراهية نحو البريطانيين وخاصّة بعدما بدءوا في وضع قيود على هجرة الناجين من الهولوكوست (أي مذابح اليهود في ألمانيا) إلى فلسطين. وقُلنا إنّنا نحن اليهود لن نسير مرّة أُخرى مثل الغنم للذبح، على الأقل ليس بدون قتال ضارٍ. وشعرنا أنّنا نعيش في عالم من الوحوش، وأنّنا يجب أن نكون مثل الوحوش حتّى نستطيع أن نحيا في العالم.

وعندما انتهت الوصاية البريطانية على فلسطين، دارت حروب بين اليهود والعرب من أجل الأرض أكثر مما كان عليه الحال مع البريطانيين. والتحقتُ بالجيش لأنّني كُنت مُقتنعاً أنّه لا يمكن أن أسمح لنفسي بالاستمرار بأن أُسحق بالأقدام...

وأثناء حملاتنا على رام الله واللد، أمرتْ كتيبتي الفلسطينيين أن يترُكوا بيوتهم خلال ساعات. ولم نسمح لهم أن يرحلوا بسلام ولكنّنا سكبنا غضبنا عليهم. فضربناهم وعاملناهُم بقسوة. ولقي بعضهم حتفه. ولم تكن لدينا أوامر بفعل هذا، ولكنّنا فعلنا هذا من تلقاء أنفسنا. فقد أطلقنا العنان لأخسّ غرائزنا الدنيئة.

وفجأة، لمعت أمام عينيّ طفولتي في وقت الحرب في بولندا. واِستعَدْتُ في ذهني ذكرياتي الماضية كطفل في العاشرة من عُمره وهو يُبعَد عن بلدته. والآن أمامي هؤلاء الناس - رجال ونساء وأطفال - يهربون بكلّ ما يمُكنهم أن يحملوه. والهلع في عيونهم، هلعٌ أعرفه أنا جيّداً. فشعرتُ بألمٍ عميق، ولكنني كنت تحت الأوامر، واستمررت في البحث عن أشياء قيمّة. وعلمت أنّني لم أعُد ضحيّة، ولكنّي الآن أملك القوة والنفوذ.

ترك يوسف الجيش إلا أنه ما زال كان غير سعيد. فترك اليهوديّة، وترك الدين برُمّته، وحاول أن يعطى معنى للعالم من خلال تفسير شروره بالمنطق. ولكنّ لم ينجح الأمر معه. وفي نهاية المطاف جاء بالصدفة إلى جماعة المجتمع الأخوي التي تعيش حياة أخوية مشتركة ولها أفراد من خلفيات وأقوام مختلفة، وهناك وجد ضالته ووجد الشفاء الروحي الذي كان ينشده ويتوق إليه طوال تلك السنين، ألا وهو شخص يسوع المسيح، الذي يغفر خطايانا بدمه الثمين، إذا انكسرنا له وطرحنا جانباً انتفاخنا ونظرياتنا البشرية. فتشفى عندئذ النفوس، وترتاح القلوب، وتضمحل الأحقاد والظنون، وتحلّ محلها المحبة والتسامح، والتوبة اليومية وخدمة الآخرين، ونزع هيمنتنا البشرية والسماح لله أن يعمل، وتتحوّل القلوب من حجر إلى لحم، لأن يسوع المسيح المخلّص يغيّر قلوبنا، ويغيّر حياتنا معها، ويجمع الناس ويحوّلهم إلى إخوة وأخوات يعيشون حياة أخوية منظورة تراها العيون، مسترخصين كل شيء في سبيله وفي سبيل قضيته، وفي سبيل الجماعة، وفي سبيل الحقّ، بعد أن يتذوقوا لذّة الحياة الجديدة التي يهبها يسوع المسيح وينعموا بنعمة الغفران الرائعة بشكل لا يُصّدق، التي يَهْتَزُّ لها الكيان سروراً واِغتباطاً، ويفرح لها الضمير رغم المصاعب، فقد قال يوسف:

هنا اختبرتُ لأوّل مرة حقيقة الغُفران. وأسأل نفسي: "كيف لا يُمكنُني أن أغفر للآخرين على الرُغم من أنّني أنا بنفسي بحاجة إلى الكثير من المغفرة مراراً وتكراراً؟" لذلك، فأنا كلي أمل بأنّه في يوم من الأيّام سيمتلئ الناس في كافة أنحاء العالم من نفس الروح التي خلصتني.

اقرأوا قصته الكاملة في هذا الكتاب

Josef and Ruth
0 تعليقات