غالبًا ما ترانا نحن البشر نزعل بسرعة من أدنى كلمة صريحة أو نصيحة تُقال لنا. وهي حالة بشرية مألوفة جدًا، ولكنها رذيلة يُحرِّمها الكتاب المقدس. وهناك تصرفات مشابهة لسرعة الزعل كسرعة الاحتداد وسرعة الثوران وسرعة الانفعال والحساسية المفرطة وسرعة الانزعاج وسرعة الاستياء وسرعة التضايق وسرعة الغضب وسرعة الاغتياظ وسرعة التَّهوُّر.

ونحن نعلم بأن كل هذه الأمور هي أمور سلبية غير صالحة لديمومة العلاقات السلمية والودية الأخوية بين الناس، ونعلم كم تؤذينا، ونتعذب من جرائها باستمرار. ونصادفها كل يوم، سواء كان ذلك على صعيد الأسرة أو الأقارب أو الأصدقاء أو العمل أو النادي أو السوق. كما نعلم بأنها لا ترضي الله أيضًا.

فما السبب يا ترى لسرعة الزعل؟ لماذا أزعل عندما تواجهني زوجتي برأي لا يناسبني؟ ولماذا أزعل عندما يصارحني صديقي بأنني قد قصَّرت في أداء عمل ما؟ أو سلوك ما؟ ولماذا أغضب على ابني عندما يفعل شيئًا غير معتاد أنا عليه؟ ولماذا...ولماذا...؟ وإنَّ هذه التصرفات لا تخرج من عندي فحسب بل من عند الجميع أيضًا. لكن لماذا تحصل؟

طبعًا هناك وبحسب اعتقادي سبب إجمالي يشمل أغلب الحالات وهو «انجراح كبريائنا». فكلنا نعتقد بأننا نعرف كل شيء، ونحاول أن نظهر بشخصية لائقة أمام الآخرين — شخصية صالحة. إذ نسعى كلنا لنيل مديح واستحسان وإطراء الآخرين. أمَّا لو شَخَّص أحدهم سلوكًا سلبيًّا فينا، فإننا نتفاجأ ونصطدم. ويكون موقفنا على الفور موقفًا دفاعيًّا يُبرِّر أخطائنا.

أعتقد أن المشكلة تكمن في عدم الإقرار بأننا بشر خاطئ ضعيف وغير كامل ويحتاج إلى مساعدة. ثم إننا نحتاج إلى التحلِّي بالصبر وإلى أن نحب الآخرين. وفي اعتقادي أن الحلَّ متوقف أيضًا على ضرورة الحصول على عِشرة أخوية يلتزم كل أفرادها بمساعدة بعضهم لبعض، وعدم الموافقة على جريان الأمور جريانًا مغلوطًا دون مواجهتها والتعامل معها. لأننا كلنا نحتاج إلى مساعدة الآخرين. أمَّا إذا عشنا لوحدنا، فسنزيغ عن السلوك البشري السليم بصورة تدريجية وأكيدة.

وكم أنا سعيد في حياتي ضمن مجتمعات برودرهوف التي تحيا حياة مسيحية مشتركة، حيث يلتزم أفرادها بعضهم ببعض في السراء والضراء، وفي جميع المجالات، ولاسيَّما الخُلُق، لأنني ألقى نصائح ودعمًا كهذا من قِبل إخوتي وأخواتي في المجتمع. وفي مجتمعنا لدينا نظام رئيسي ومهم مستوحى من الإنجيل ونسميه «كلام الصراحة بمحبة.» وهو بمثابة وازعٍ معنويٍّ يُلزِمنا بتقديم النصائح عن طريق الكلام المباشر والشخصي مع إخوتنا وأخواتنا كلما دعت الضرورة. فنلقى عندئذ شفاء لهذه الأعراض البشرية الموجودة فينا كلنا. وعملية الشفاء والتغيير هي شغل يومي نعترف بحاجتنا إليه لترويض الوحش الذي في داخلنا. وطبعًا، لا أريد أن أخفي عنكم أن الاستماع إلى نصائح وإرشادات الآخرين أمرٌ عسيرٌ، ولكنه شافٍ فعلاً.

لذلك، فإننا نحن البشر نحتاج إلى مساعدة ودعم غيرنا، فضلاً عن المعونة التي نطلبها من الله ليقوينا روحيًّا لهذه الفضيلة: فضيلة الهدوء والاستماع والاعتراف بالخطأ. فلا أدري ما هو رأيك بهذا.