وفي أيام الكنيسة الرسولية، كَفَّر اليهود أيضا المسيحيين، ووصفوهم بأنهم بدعة، كما يقول بولس الرسول في الإنجيل:

«وَلَكِنِّي أَعْتَرِفُ أَمَامَكَ بِأَنِّي أَعْبُدُ إِلهَ آبَائِي بِحَسَبِ الْمَذْهَبِ الَّذِي يَصِفُونَهُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ، وَأُومِنُ بِكُلِّ مَا كُتِبَ فِي الشَّرِيعَةِ وَكُتُبِ الأَنْبِيَاءِ.» (أعمال 24: 14)

وإنّ الرب لا يقبل كل من يدين غيره من الطوائف أو الجماعات المسيحية. فإليك هذه الحادثة التي حصلت أيام المسيح:

فأجابه يُوحَنَّا قائلاً: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُنَا.» فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ قُوَّةً بِاسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعاً أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرّاً. لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا.» (مرقس 9: 38–40)

وطبعا من حقنا كمسيحيين أن نتحقّق من أمر أيّ كنيسة سواء كانت جديدة أو قديمة، صغيرة أو كبيرة، وذلك ليس من خلال الاستماع إلى كلامها وما تزعم به، بل من خلال النظر إلى أعمالها وأسلوب حياة أفرادها. وهذه طريقة حكيمة وبسيطة جدا علمنا إياه يسوع المسيح، للتعرف من خلالها على الناس سواء كانوا جماعات أو كنائس أو أفراد أو أديان أو أحزاب سياسية، فقد قال:

اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ ‏عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا ‏رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ ‏لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 7: 15–21)‏

فالتديُّن ليس له أيّ معنى لو تفشتْ في حياة الناس مظاهر المساومة مع الخطيئة على حساب وصايا الله مثل تفشي الطبقية الماديّة، والطلاق، ‏والإجهاض، والعلاقات غير الشريفة، وعدم المغفرة، والانتقام، وسفك الدماء، وإهمال موضوع التربية، وغياب التعاون والعمل المشترك.‏ فالرب لا ينخدع بتديُّننا الزائف وإيماننا السطحي.

ونحن كلنا نحتاج إلى توسيع آفاقنا بغض النظر عن أيّ كنيسة ننتمي إليها. فلا يقتصر عمل الرب يسوع المسيح في مجتمعات كنائسنا الخاصة فحسب بل يعمل أيضا خارجها عملا عجيبا. فهناك الملايين من المؤمنين الجدد في كافة أنحاء العالم الذين حتى لا نعرف عنهم شيئا، ولم نسمع عنهم من قبل. فيجب أن نصبح متواضعين ونعترف بأن عمل الرب أكبر من توقعاتنا، وأكبر من توقعات قلوبنا الصغيرة، وأكبر من حدود كنائسنا الخاصة، ولا يتوقف عمله عند أيّ حدّ مهما كان. ويجب أن نعترف أيضا بأننا لا نستطيع تكبيل عمل الروح القدس. فقال يسوع لنيقوديموس:

«اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ الرُّوحِ.» (يوحنا 3: 8)

وقال المسيح أيضا:

«لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ.» (متى 18: 20)

فلنسجد إذن نحن البشر القاصرين والعاجزين لعمل الرب ولنتوب، ولتغرب عنا روح التفرقة الطائفية الغريبة على الرب يسوع المسيح. ولنمجد الرب ونرفع التسابيح له، ونتعجب من عمله في النفوس، والمعجزات الهائلة التي يعملها في حياتهم، وهدايته لهم، وتغيير حياتهم رأسا على عقب. وليبارك الرب جميع الكنائس.

وقبل أن نفكر في الاتحاد مع غيرنا من الكنائس، أو نطلب من جماعات مسيحية غيرنا الاتحاد معنا، يجب أن يفكر كلّا منا أولا في مجتمع كنيسته ويسأل نفسه: هل نحن أنفسنا متحدون بالأساس فيما بيننا في كنيستنا؟ وهل يسهر كل فرد فينا على مصلحة الإخوة والأخوات في الكنيسة؟ وما هي الوحدة الحقيقية التي جاء من أجلها المسيح؟ فهل جاء المسيح من أجل أن نلتقي يوم الأحد فقط في القداس، حتى لو انعدمت علاقاتنا وتعاوننا المشترك مع بقية أفراد الكنيسة؟ فيجب أن نبحث في هذا السؤال لنجد جوابا شافيا يتجسَّد من خلاله ملكوت الله على هذه الأرض.

إنّ كل كنيسة على وجه الأرض مدعوة إلى تحقيق الوحدة الشاملة، ليس على صعيد وحدة الإيمان فحسب بل على جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية والروحية والعملية. وهذا ما نرمي إلى ترويجه نحن وتشجيعه في مجتمعات الكنائس الأخرى بكل الوسائل المتاحة لنا. فقد أوصانا يسوع المسيح:

«أُعطيكُم وَصيَّةً جَديدةً: أحِبُّوا بَعضُكُم بَعضًا. ومِثلَما أنا أحبَبْتُكُم أحِبُّوا أنتُم بَعضُكُم بَعضًا، فإذا أحبَبْتُم بَعضُكُم بَعضًا، يَعرِفُ النّاسُ جميعًا أنَّكُم تلاميذي.» (يوحنا 13: 34–35)

فكيف أحبنا يسوع المسيح؟ إنه بذل نفسه من أجلنا. فهكذا ينبغي أن يحب بعضنا بعضا. وهكذا عاشت الكنيسة الرسولية الأولى، فيشهد لها الإنجيل:

وكانوا يُداوِمونَ على الاستِماعِ إلى تَعليمِ الرُّسُلِ وعلى الحياةِ المُشتَركَةِ وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلاةِ‎. وتَمَّت عجائِبُ وآياتٌ كثيرةٌ على أيدي الرُّسُلِ، فاَستَولى الخَوفُ على جميعِ النُّفوسِ‎. وكانَ المُؤمِنون كُلُّهُم مُتَّحِدينَ، يَجعَلونَ كُلَّ ما عِندَهُم مُشتَركًا بَينَهُم، يَبيعونَ أملاكَهُم وخَيراتِهِم ويَتقاسَمونَ ثَمَنها على قَدرِ حاجَةِ كُلِّ واحدٍ مِنهُم‎. وكانوا يَلتَقونَ كُلَّ يومٍ في الهَيكَلِ بِقَلبٍ واحدٍ، ويكسِرونَ الخُبزَ في البُيوتِ، ويَتَناولونَ الطَّعامَ بِفرَحِ وبَساطةِ ‏قَلبٍ، ويُسبِّحونَ اللهِ، وينالونَ رِضى النّاسِ كُلِّهِم. وكانَ الرَّبُّ كُلَ يومِ يَزيدُ عَددَ الّذينَ أنعمَ علَيهِم بالخلاصِ‎. (أعمال الرسل 2: 42–47)

ونحن نؤمن بأن هناك مسيحيين حقيقيين في مختلف الكنائس. ورغم أن التقسيمات التي حصلت في الكنيسة هي ليست من مشيئة الرب يسوع المسيح، ولها أسباب تاريخية متعددة، إلّا أننا لا نسمح لروحية التعصُّب الطائفي الشريرة أن تقسي قلوبنا، وتسيّرنا، وتخنق محبتنا للآخرين، وتبني الحواجز فيما بيننا. ولن نسمح لها بأن تعمي أبصارنا عن عمل الرب يسوع في جميع الناس مهما كانت كنائسهم. فلا تقف الحدود الطائفية حائلا أمام عمل الرب يسوع. فلما كان الرب يسوع لا تهمه العقبات الطائفية التي صنعتها أيادي البشر، فيجب أن نتحلى نحن أيضا بهذه الروحية. بل ينبغي أن نتعاون مع جميع الكنائس والأفراد لتقوية حياتهم الروحية وتعزيز أواصر الأُخوَّة بين الجميع. فهناك اشتياق لدى الكثير من المؤمنين إلى التلمذة للمسيح، وإلى أن يعيشوا ملكوت الله على هذه الأرض الجميلة.

ما أحلى أجواء الحياة عندما نتعاون مع غيرنا من المسيحيين الذين ينتمون إلى كنائس متنوعة. فلا يسعنا سوى تمجيد الرب على كثرة عمله في النفوس وعمله في غيرنا من الكنائس. فكنيستنا لا طائفية، ولديها علاقات حميمة مع الجميع. وتدعو جميع الكنائس إلى التزام الوحدة ‏الحقيقية فيما بين أفرادها، والعيش ‏كجماعة متضامنة بالتزامات حياتية مؤبدة، والعمل المشترك في سبيل تجسيد ملكوت الله ‏على أرض الواقع، كما تدعو إلى خدمة الإنسانية، ‏والتعاون مع جميع القوى الخيّرة مهما كان معتقدها في سبيل ‏السلام وبناء المعمورة.‏

ولدينا كتب قد وقع عليها بابا الفاتيكان وأساقفة أرثوذكس وبروتستانت وشخصيات مسيحية معروفة مثل الأم تيريزا وتوماس ميرتون وماهر عبد الأحد وعادل أنسي. وقد حصلت كتبنا على إشادات كثيرة من قبل الكثير من القراء. وقد نشرنا كتابا بالإنجليزية لكاتب كاثوليكي ألماني عن شهداء ليبيا بالتعاون مع الكنيسة القبطية والأنجليكانية، وتجدونه على هذا الرابط:

www.plough.com/en/topics/culture/literature/the-21

ونحن لا نتكبّر على أي إنسان مهما كان خاطئا أو مهما كانت عقيدته أو طائفته، فهذا ما علمنا إياه الرب يسوع المسيح. ونحن لا ندين أحدا، فالرب وحده الديّان. فيقول يسوع المسيح:

«لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللَّهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ.» (يوحنا 3: 17)

ثم إنّ السعي والاشتياق إلى الوحدة بين المسيحيين ليكونوا فعلا واحدا هي من مشيئة ووصية الرب، وهذا ما نؤمن به. غير أن هذه الوحدة يجب ألا تأتي بالغصب والإكراه، بل تكون ثمرة علاقة من المحبة الأخوية، والاحترام المتبادل، والتعاون في العمل، ومدّ الجسور، بعد أن ترى جماعتين (أو كنيستين) بأنهما على الدرب نفسه، ولديهما التعاليم نفسها. ثم إنّ هذه الوحدة نعمة إلهية بحتة، ولا يمكننا تحقيقها بجهودنا البشرية، ويجب أن نصلّي لأجلها باستمرار، لكي يعمل الله في النفوس وفي مجامعنا، من أجل أن يأتي كل شيء بالسلام وعن طواعية.

فلنداوم على الصلاة والمحبة، لأن «اَللهُ مَحَبَّةٌ.»

كاتب المقالة مؤلف كتاب «غمدت سيفي» بنسخته العربية وكتاب «I Put My Sword Away» بنسخته الإنجليزية