فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي الْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ النِّعْمَةُ؟ حَاشَا! نَحْنُ الَّذِينَ مُتْنَا عَنِ الْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟ ... لأَنَّ الْمَوْتَ الَّذِي مَاتَهُ [المسيح] قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْحَيَاةُ الَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلَّهِ. كَذَلِكَ أَنْتُمْ أَيْضًا احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ، وَلَكِنْ أَحْيَاءً لِلَّهِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. (رومة 6: 1–2، 10—11)

كتب بولس الرسول عن حالة جديدة للحياة. وهذه الفكرة غريبة علينا الآن. فماذا نعرف عن الموت؟ إذ نحاول دائمًا نحن البشر أن نحافظ على حياتنا، ونقلق على الأمور الأرضية، ونملأ قلوبنا بشهوات هذه الحياة — تلك الحياة نفسها التي تملأها الديدان، التي هي علامة على فسادنا. ومع ذلك، لابد أن تكون الأمور قد تغيَّرت الآن بالنسبة إلينا نحن المسيحيين، من حيث أننا ينبغي أن نملك في الحياة كالملوك، وأن الموت ينبغي أن لا يعود يهيمن على كل شيء بعد الآن. وهذا ما يصنعه الرب يسوع. فقد جعل من الممكن لحالة جديدة من الحياة تبدأ فينا.

وقال بولس الرسول في أجزاء أخرى من رسائله إنَّ الموت صار مَلِكًا بسبب خطيئة آدم، فأصبح الكل تحت الخطيئة الأصلية:

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهَكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. (رومة 5: 12)

فقد مات الناس ولم يكُن بالإمكان أن يحصلوا على مساعدة. لأنه لم تكُن هناك أيُّ مساعدة. وكان بمقدور الرب أن يحمي الناس مؤقَّتًا ويستر البعض من خلال وعده، ولكن جميع الناس كانوا في الواقع خاضعين لناموس الموت. فكان الموت مَلِكًا، وكان الموت القوة الوحيدة على الأرض. ولكن حياة جديدة وُلِدت الآن بفضل المسيح. وإنَّ الحياة الصالحة المُقدَّسة، الناجمة عن عمل المسيح، هي التي تُسيِّر كل شيء الآن. وينال الآن كل إنسان الخلاص من هذه الدينونة بكلمة عدل واحدة من فم الله، ليدخل إلى الحياة الصالحة المُقدَّسة. ثم إنَّ كياننا كله ينغمر في هذا الأمر، ويصبح في وسعنا تسيير حياتنا بالطريق السليم، كما كتب بولس الرسول:

إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. (رومة 8: 1–2)

يبدو لنا للوهلة الأولى كما لو أن يسوع قد فعل كل شيء ورتب كل شيء لنا. فالنعمة الآن متيسرة لكل شخص ليقبلها وليحيا بنعمة الله. إذن، أنستمر الآن في اقتراف الخطايا، ما دام كل شيء سهلاً للغاية والمسيح قد فعل كل شيء لأجلنا؟ أنجلس مُتكئين ومُسترخين وقائلين: «الحمد لله والشكر، إنَّ المُخَلِّص مُحِبٌّ جدًا، فإنه يُخَلِّصني. نعم، يُخَلِّصني! وأنا بطبيعة الحال لا أزال إنسانًا خاطئًا، ولكن المُخَلِّص خَلَّصني بنعمته!»؟ لذلك يسترخي الجميع، ويعيشون مثل بقية الناس الآخرين غير المؤمنين، دون أن يفكروا في أن بِرَّ المسيح ينبغي أن يخلق فينا مسؤولية إصلاح حياتنا. فيجب أن ندخل الحياة الجديدة بكامل كياننا — لا أن ندور حولها، ونعزي أنفسنا بأن كل شيء الآن على ما يرام، وبأن يسوع قد أصلح كل شيء وسيهيئ كل شيء لأجلنا. لا، أبدًا! فيجب أن ننتقل إلى تجديد الحياة بكل كياننا، وأن تكون لدينا فعلاً تربة خصبة تحت أقدامنا لكي نثمر ثمارًا صالحة. فلا يوجد أيُّ طريق آخر إن كُنَّا قد فهمنا المُخَلِّص بطريقة صحيحة، وهذا هو معنى المعمودية. إذ إنَّ المعمودية ما هي سوى حدث يُعطي لنا أن نشارك في موت المسيح، حتى نحيا معه، وندخل الحياة الجديدة. فالمعمودية مُتاحة لنا لكي نموت عن الخطيئة، وننبذ حياة الإثم والمعصية، ونُدفَن بالجسد مع المسيح، لَعَلَّنا نحن أيضًا ندخل إلى قيامة يسوع المسيح. فكما قام المسيح من الموت بمجد الآب، هكذا نحن أيضًا نبدأ حياة جديدة.

وهكذا، فإنَّ موت يسوع المسيح، أو الموت عن طبيعتنا الأنانية ونبذ حياة المعصية، ينتقل إلينا بالمُخَلِّص عن طريق المعمودية. ويجب أن تشدَّنا هذه العَطيَّة لكي يقول كياننا كله ويجيب بكلمة نعم. فلا أحتاج من بعد الآن أن أقلق بشأن حياة الخطيئة هذه. فيمكنني أن أسعى لأجل أمر مختلف!

إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ، فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. (2 كورنثوس 5: 17)

يجب أن نمتلئ بالحماسة والفرح والعرفان، مُتحمِّلين كل شيء بسرور، مهما كان صعبًا، لكي نتحرر من الموت الروحي، ومن هذه الحياة الموجودة في وسط الموت. عندئذ تقترب القيامة مِنَّا؛ ويصبح المسيح بعد ذلك قائمًا حقًّا من بين الأموات في حياتنا، وتظهر إلى حيز الوجود حياة جديدة صالحة ومُقدَّسة، التي لا تشبه الحياة التي كُنَّا نسعى إليها لغاية هذه اللحظة، حيث كُنَّا نحاول فيها أن نكون أفضل قليلاً من الآخرين، معتقدين بأن الحياة الجديدة هي أن نسرق أقل مما نسرقه الآن، أو أن نسلك بطريقة أكثر لياقة من ذي قبل، أو أن نرتدي مِعطفًا يحظى بإعجاب عدد أكبر من الناس. أيُحسَبُ كل هذا حياة جديدة؟ ... هذا هراء! فالمسألة ليست أبدًا أن تكونوا أفضل مما كنتم عليه سابقًا. بل أن الحياة الجديدة تعني أن القِوى من أجل الحياة الحقيقية يمكن رؤيتها الآن في داخلكم، وأن هناك شيئًا من الله ومن السماوات، وشيئًا مُقدَّسًا يمكن أن ينمو فيكم. وهي تعني أن بإمكاننا في الحقيقة رؤية انتهاء سطوة الشهوات الأثيمة عليكم، بل يوجد فيكم شيء من قيامة المسيح، وشيء من حياته الذي فيه قوة مُقدَّسة من خلال الروح القدس، ويقودكم إلى الاستقامة والبرِّ والشفاء الروحي التام.

آه ما أبعد معظمنا نحن المسيحيين عن هذه الحياة الجديدة! وكم أحزنُ على أن كل هذه الحياة الجديدة بعيدة جدًا عَنَّا. آه كم أتمنى أن تنكشف لنا حياتنا على حقيقتها، وأن نرى مدى تَعلُّقنا ولِحدِّ الآن بالحياة القديمة الباطلة قبل الإيمان. وعسانا عندئذ أن نختبر ظمأً من كل قلوبنا إلى ما هو جديدٌ. فالجميع يريدون أن ينالوا الخلاص الأبدي، ولكن مَنْ لديه أيُّ رغبة حقيقية في الحياة الجديدة المُقدَّسة؟ ألسنا بعيدين كل البعد عن استرخاص كل غالٍ ونفيس في سبيل الحياة الجديدة؟ ففي داخل كل واحد مِنَّا شيء لا نريد له أن يتغيَّر ولا نريد التخلِّي عنه، ونود التشبُّث به والذهاب إلى السماء فيه. فهو كطبقة جلدية واقية، وكأننا نريد أن ننفذ بجلدنا وننجو بأنفسنا من الخطر. إذ إنَّ التفكير في التضحية بالنفس يعتبره معظم الناس أمرًا مخيفًا جدًا. فهم يُحِسُّون بغاية الارتياح داخل ذاك الجلد القديم الواقي، ولن يتخلوا عنه بأيِّ ثمن كان.

ولقد تحدَّثتُ قبل فترة وجيزة مع شخص له مكانته في الأوساط المسيحية. فقد أقام لنفسه منزلاً فخمًا ومريحًا للغاية حيث كل شيء رائع جدًا فيه. وفي الوقت نفسه، فإنه من المفترض أن يكون قسيسًا وأن يُقدِّم المواعظ، وهذا ما يفعله بالفعل. ولكنني عندما رأيته هناك في وسط كل تلك الراحة والرخاء، قلتُ له: «اسمع! إنك تُفسِد نفسك بكل هذه الأمور!» غير أن ما يجري في الواقع هو أن الناس يُفضِّلون الاستلقاء على كنبتهم المريحة، لا بل حتى على أكثرها راحة! فهم بكل بساطة لا يرون الكيفية التي تقود بها هذه الأمور الإنسان إلى الموت الروحي:

وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ. وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا.» قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ.» قَالَ لَهُ الشَّابُّ: «هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي.» فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِينًا، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. فَقَالَ يَسُوعُ لِتَلاَمِيذِهِ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَعْسُرُ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ!» (متى 19: 16–23)

نعم، فإلى جانب ديانتنا المسيحية، أخذ الفرد المسيحي المعاصر يبحث عن أسلوب حياتي مريح وسهل، ولا يريد الإزعاج وتغيير أسلوب حياته، وصار يبحث عن ثقافة دينية مريحة، وعن سلوك ذي طابع ديني، وعن كل ما يَتعلَّق بهذه الأمور، مؤمنًا بأنه قد بلغ الآن أفضل ما يوصينا به المسيح.

آه، أيها الأعزاء! ليسأل كل واحد مِنَّا نفسه: «ألديَّ ركنٌ صغيرٌ في مكان ما، أحب التقوقُع فيه على ذاتي والانزواء فيه، ولا أريد أن يُخرِجني منه أحدٌ؟» فعادة ما نستلقي في ذلك الركن، أمَّا الله فَلْيَقرع بابنا ويوعظ على قدر ما يشاء، إلاَّ أننا لن نفتح له الباب، ولن نخرج. وهذا هو سبب عدم مجيء حياة جديدة إلى مجتمع الكنيسة كله، تلك الحياة التي يظهر فيها أمر صالح ومُقدَّس من الله. فالكثير من الناس يفهمون الحياة الجديدة على أنها تعني حياة أفضل بقليل من حياتهم السابقة قبل الإيمان، وعلى أنها تعني حياة أكثر خُلُقًا — ولكن المسيح لم يأتِ ليجلب لنا هذا! فالمقصود بالحياة الجديدة أن تكون حياةً، التي يمكن لشيءٍ إلَهِيٍّ أن يعمل فيها حقًّا، وأن تُظهِر أن الله حيٌّ، وأن المسيح حيٌّ، وأن تكون حياة لم تَعُد فيها الأمور الروحية مجرد كلام في كلام، بل أن تكون واقِعًا ملموسًا. فما أغبى المسيحيين في أغلب الأحيان! فليس لدى معظم المسيحيين أيُّ شيء يستحق ذكره على الإطلاق، لأنهم ببساطة ليس لديهم إلاَّ القليل لإظهاره. لذلك، عندما نحجب أنفسنا في زوايانا المريحة — فإنَّ الحياة الجديدة التي أتى بها المسيح إلينا، لا تصل وصولاً أكيدًا إلى شؤوننا الأرضية والدنيوية أبدًا، ولا تتغلب على هذا العالم أبدًا.

يجب علينا أن نبدأ بداية جديدة جدًا. وها أنا أعود إلى النقطة نفسها. فنحن بحاجة إلى البدء من جديد، باستمرار، وبعمق أكبر، وشمولية أوسع، وبإتمام أكثر. ويجب أن نداوم على فعل هذا إلى أن نكون قد وضعنا حقًّا أساسًا جديدًا لحياتنا، يُمثِّل حصولنا على المُخَلِّص يسوع المسيح. لأننا إذا وصلنا فعلاً إلى نقطة نتَّحِد فيها مع المسيح بموت كموته، فإننا نتَّحِد بالتأكيد معه في قيامة كقيامته. عندئذ، ندخل إلى حياة جديدة جدًا. فيا له من أمر عظيم حين يتقابل المرء مع القيامة!

لقد كان بولس الرسول مُدرِكًا جيدًا لِمَا تعنيه الحياة الجديدة، ولهذا تعلن جميع رسائله بحماسة أنه ينبغي أن لا نخدم من بعد الآن طبيعتنا الخاطئة، وشهوات الجسد. فيجب التخلِّي عن كل توجُّه لخدمة المصالح الذاتية، والاهتمام بالذات، قبل مصالح الآخرين. فكتب بولس الرسول:

بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ. (فيلبي 3: 8)

إنَّ أشخاصًا من أمثال بولس الرسول اختبروا شيئًا من الله، وسمعوا شيئًا منه، ولمسوا شيئًا منه، وفهموا شيئًا منه. لهذا، لم يَعُد الله مجرد نظرية أو فكرة عندهم:

اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا ... وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. (1 يوحنا 1: 1–2، 5)

ولا نريد أن يكون لنا من بعد الآن أيُّ علاقة بالظلمة! فَلْتَغرُبْ كلها عَنَّا!

عندئذ يأتينا العالم الجديد مُرحِّبًا بنا، ويدخل شيء جديد إلى حياتنا؛ وبطبيعة الحال، فإنَّ الحياة الأثيمة التي كُنَّا نعيشها ستتوقف. غير أن هذا لا يعني أننا سنودِّع هذا العالم الفاسد بكل هذه البساطة، لأننا حتى إذا طردنا شخصيتنا الخاطئة من الباب الأمامي، فإنها ستدخل مرة أخرى بعد دقيقة من الباب الخلفي، بسبب طبيعتنا البشرية الخاطئة. فمهما كانت الطريقة التي نطرد بها طبيعتنا الخاطئة، فإننا لا يمكننا التَّخلُّص منها — للأسف! فلا يسعنا سوى الأنين بسببها. ولكن يجب أن نئنَّ بسببها بكل جديَّة، وليس بأن نضع في بالنا أنه يحِقُّ لنا الاحتفاظ بهذا الجزء أو بذاك الجزء من طبيعتنا الأثيمة، وبأننا سننجح في النجاة بطريقة ما عندما يأتي المُخَلِّص. لا، فينبغي أن نئنَّ كما لو أننا نريد فعلاً المشاركة في الأمور الإلهية المُقدَّسة، وكما لو أننا نريد أن نكون من أولئك الذين يتلقون شيئًا مُقدَّسًا من الله، وشيئًا مُقدَّسًا من قيامة المسيح. فينبغي أن نتحمَّس لهذا الأمر، مثلما نتحمَّس للنجاح في الوظائف والأشغال، لأنه عادة ما يتحمَّس الرجال والنساء تحمُّسًا غيورًا في حياتهم المهنية، ويعملون طوال النهار وأثناء الليل ليضمنوا عدم خسارتهم لأيِّ شيءٍ! فهكذا ينبغي أن نتحلَّى بمثل هذه الغيرة والحماسة. وهذا ما ينبغي أن نفعله لأجل ملكوت الله. فينبغي أن يكون تحمُّسنا لأن نكون مجاهدين من أجل ملكوت الله ومن أجل العالم الجديد جزءًا من دمنا ولحمنا. وإلاَّ ستفوتنا أيضًا في النهاية المزايا والبركات التي يهبها الله.

يجب أن أعرب عن قلقي على أفراد كنيستنا المحلية هنا. فرغم أنني قد وعظتُ كثيرًا، إلاَّ أن انطباعي العام هو نفسه دائمًا. لأنه لا تحصل إلاَّ تغييرات إيجابية طفيفة عند قِلَّة من الأفراد. أمَّا قابلية الارتداد والرجوع إلى الحياة القديمة الباطلة، فهو أمر لافت للنظر حقًّا. فقابلية الارتداد هذه تشبه تمامًا الشريط المطاطي الصغير الذي يسحبه المرء عاليًا، وعندما يتركه يرجع إلى مكانه السابق على الفور. فإنَّ حياتنا بعد الإيمان تشبه حياتنا السابقة قبل الإيمان. فهل يشغلنا حقًّا هذا السؤال التالي: أيمكننا الثبات على الحياة المسيحية عند مواجهة المصاعب؟ فعندما تزداد جدِّيَّة وخطورة الأوضاع، وعندما يوضع كل شيء على المحكِّ، أيكون لدينا ما يكفي من الطاقة لنبتغي الانتماء إلى المُخَلِّص يسوع المسيح؛ أم نحب حياتنا أكثر منه؟ فأنتم لا تحتاجون إلى القلق من أن الرب يسوع سيترككم. ولكن احترزوا فقط لِئَلاَّ تتركونه أنتم. وانتبهوا لِئَلاَّ تتفاجؤوا، مثلما تفاجأت زوجة لوط، بأن تكون ممتلكاتكم أغلى عندكم من المُخَلِّص. فعندما يأتي المُخَلِّص، سيتفاجأ للغاية الكثير من الناس. فبدلاً من الانحناء أمامه، سيقفزون أولاً إلى محافظ نقودهم أو إلى مطابخهم أو إلى نمط الحياة لبيوتهم وأعمالهم المعتادين ‏عليها. إذ إنَّ التحرُّر الذي يهبه المسيح من سطوة الشرِّ، لن يكون ظاهِرًا فيهم.

والآن، ألا تُحِسُّون بغيرة وحماسة بولس الرسول؟ فقد كان قلِقًا هو أيضًا، ولهذا كتب رسالته إلى المسيحيين من أهالي رومة. ولكن لماذا كتب لهم بهذه الطريقة؟ لقد كان يخشى عليهم من أن يَجُرُّوا الرسالة المسيحية إلى الحضيض، ومن أن يروا أنه ليس لديهم المزيد ليفعلوه — إذ كانوا يرون أن المُخَلِّص مات وقام ثانية من بين الأموات، وهكذا أتَمُّوا دينهم، وليس هناك المزيد للقيام به! فقد فزع بولس الرسول، وصرخ فيهم:

أَهَكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟ (غلاطية 3: 3)

أيْ بما معناه: «أتريدون البقاء على هذه الحال؟ أتنتهون بالجسد، بعدما بدأتم بالروح؟ فلا يمكن للمُخَلِّص أن يساعدكم ما لم تبدأوا بفعل شيء جديد ومُقدَّس كُليًّا.» ولكننا إذا مُتْنا مع المسيح وتَشبَّهنا به في حياتنا، فسنحيا عندئذ معه أيضًا. وهو حيٌّ الآن؛ وبمجرد أن نتمكن من كسر قيود كل البنية الدنيوية التي تُكَبِّل أرواحنا وننتصر عليها في حياتنا الشخصية — كلها وليس نصفها — يمكن للعالم الجديد أن يشرق علينا؛ ففي هذه الحالة فقط، لن يتبقى لدينا المزيد لنفعله. عندئذ، لن نعيش لأجل الخطيئة، بل نحيا لأجل الله، مثلما يحيا المسيح الآن لأجل الله.

ما أحلى أن يحيا المرء طوعيًّا لأجل الله! آه، كم أتمنى لو كان الأمر كذلك عندنا! أيْ أننا لا نعود نعيش لأجل قصورنا، ولا لأجل ثرواتنا، ولا لأجل أيِّ شيء من هذا القبيل، بل أن نحيا لأجل الله وحده. آه، كم أتمنى أن يحدث هذا! فليرحمنا الرب! ولَعَلَّه يفتح لنا السماء قريبًا، لكيما يصبح في وسعنا أن نفهم ذلك، لأنه يبدو على الأكثر أن الناس لا يفهمون بالمرة، ويبدو أن كل هذا بلا فائدة. ولكن دعونا نتشجَّع ولا تخور عزيمتنا. فإنَّ زمانًا جديدًا آتٍ. فهو آتٍ، حتى لو كانت هناك مجرد قِلَّة من الناس من الذين يرغبون بِجدِّيَّة وغيرة على طريق الرب في السعي وبذل الحياة لأجل الله وأهدافه. فبالموت سيجدون الحياة.

 

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «في انتظاره فعل»

مساهمة من كريستوف فريدريش بلومهارت

لم يهتم بلومهارت بالأمور المتعلقة بالديانة والكنيسة، ‏وخدمات العبادة، والتعاليم ‏الكنسية، ولا حتى بالسلام ‏الداخلي، أو الخلاص على الصعيد الشخصي فقط. فقد كان ‏‏الإيمان في نظره أمرًا يَتعلَّق بمجيء ملكوت الله، وبانتصار الله ‏على الظلمة والموت، هنا على ‏هذه الأرض وفي هذه الساعة. ‏وكانت رؤيته لبِرِّ الله على الأرض بلا شروط، وكانت رؤية ‏مؤثرة ‏للغاية، ومفادها أن: محبة الله تُصالِح العالم، وتحرر من ‏الألم، وتشفي الاحتياج الاقتصادي ‏والاجتماعي، أيْ باختصار، ‏إنها تُجَدِّد الأرض.‏

اِقرأ المزيد