إنَّ وضع الجنس البشري بائسٌ بشكل مأساوي ولا حداً لبؤسه لأن الناس قد سقطوا في حال من العداوة بعضهم ضد بعض. إنه مقسّم وممزق. ويبيّن هذا الصدّع الحدّ المأساوي الذي وصل إليه برود القلب والعداء ومدى استفحاله داخل البشرية المتجزئة.

ولم يكن الحال كهذا دائماً. فقد تميّزت الساعة التي ولدت فيها البشرية أنها كانت زمن عاش فيه الناس في سلام مع الله وبعضهم مع بعض. فليس هناك أدنى شك من أنّ مهد البشرية كان الفردوس. (تكوين 2: 8-15)

ما الفردوس؟ الفردوس هو السلام. ويكمن سِرّ السلام في العمل المتضافر لجميع القوى في روحية واحدة، وفي انسجام متواصل. فالسلام هو كالموشور الذي يجمع معاً كل ألوان الطيف في ضوء الشمس الأبيض النقي والذي يقدر أيضاً على تحليله إلى الألوان الزاهية لقوس قزح. ويجري تسخير كل الطاقات والمواهب في هذا السلام لخدمة الله. فهذا ما عرفته البشرية عن السلام في أول بدايتها .

ويخبرنا سفر التكوين بأن مهمة الإنسان كانت حراثة الأرض وإدامتها، وتسمية جميع المخلوقات، وبأن يصير الإنسان سيداً على الحيوانات. (تكوين 2: 15، 19؛ 1: 26-28) ولم تحرز البشرية أي تقدم؛ وفي الواقع، ما تزال المهمة الموكلة في الفردوس غير منجزة. ولكن الله قد سلّم الإنسانية ومنذ البَدْء مهمة العيش في انسجام وسلام، على صعيد العمل المشترك في ظلّ شركة أخوية خلّاقة .


إنَّ العالم يتجزأ في كل بقاعه. فإنه يتفتت ويتعفن. وهو يمر بعملية التفسخ. فإنه يحتضر. وفي هذه الأزمنة المخيفة بالذات، يضع المسيح المدينة الكنسيَّة من خلال الروح القدس بوحدتها اللامتناهية في وسط العالم بالذات. (يوحنا 17: 11، 23؛ متى 5: 14) فالعون الوحيد الذي تحتاجه الأرض هو أن يكون هناك مكان للناس لكي تتجمَّع، أي أن يكون هناك جماعة لها عزيمة غير منقسمة وخالية من أي شكّ ومصممة على التجمُّع مع الآخرين في وحدة ووئام.


يقول بولس الرسول إنَّ جميع شعوب الأرض ستتجمع في هذه الكنيسة المقدسة، وإنَّ جميع الأسوار والجدران بين الأعراق والبلدان والطبقات والرتب والأفراد ستُهدم. (كولوسي 3: 11) وسوف لا تندحر الأرض كلها لصالح الله فحسب بل ستُعلَن أيضاً الكنيسة المقدسة على المَلَأ بحياتها المتسمة بالوحدة الكاملة والوئام في وسط الأرض، فيراها جميع خلق الله بأم عينيه.


نحن في زمن فيه الأرض كلها في خطر مُحدق. ولمَّا كان الأمر عاجلاً، تحتم علينا أن نقرر قبول الهِبة التي يقدمها الله لنا، ألا وهي: الحياة في الكنيسة المقدسة ذات الحياة المسيحية المشتركة، أي حياة الوحدة والوئام والإخاء.


نحن ببساطة لسنا بمجتمع للاستعمار، ولا نهدف إلى تشكيل مستوطنات جديدة أو قرى جديدة (وكأن القرى والبلدات الموجودة حالياً لا تكفي) حيث يسكن الناس هناك معاً وبعضهم قريب جداً من بعض، إلا أنه مع ذلك يعيش الناس في هذه البلدات أو القرى بصورة منعزلة بعضهم عن بعض، كما هو الحال في أي مكان آخر. ونحن لا نهدف إلى خلق مجتمع أو تجميع الناس من أجل العيش المشترك البحت، ويبقى حالهم كما هو عليه. فإذا كنا نرغب في إنشاء مجتمع قائم على الاحترام المتبادل كان من الأفضل أن يبقى كل منا في المكان الذي جاء منه قبل انضمامه إلى مجتمعنا المسيحي. فالناس هنا ليسوا بأفضل أو أسوأ من غيرهم في أي مكان آخر. فليس هناك أي معنى لمجيئنا إلى مجتمعات برودرهوف المسيحية إذا كان كل ما نسعى إليه هو علاقات بشرية متبادلة في مجتمع متشارك. لأنه كان بإمكاننا أن نجده في أي مكان آخر. ولكنه كان بالتأكيد سيفشل فشلاً ذريعاً. لأن جميع المحاولات المبنية على حال البشر كما هو عليه الآن فاشلة. لأنه قد قُدِّر لها الإفلاس منذ البدء.

 

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «ثورة الله»