عبد الغفار خان، ويُعرف أيضًا باسم بادشاه خان ‏Badsha Khan، ترعرع في قبيلة في وادي بيشاور، (حاليًا في شمال غرب باكستان التي كانت لا تزال آنذاك جزءًا من الهند)، حيث كان يتحتم على الناس فيها صون كرامة العائلة بدفع ثمن غالٍ وتضحيات بسبب العنف. أمَّا العداء الدموي التَّوَّاق إلى الانتقام فكان هو الآخر يمزِّق العائلات تمزيقًا. غير أن عبد الغفار تمكَّن من تغيير قومه المدعو بشتون Pashtunوتحويله إلى جيش من جنود اللا عنف.

فقد خدم بادشاه خان أمَّته خير خدمة. وقد أثَّرت فيه كثيرًا تعاليم غاندي، وأيضًا صداقته له، في نضاله السلمي من أجل استقلال شعبه. الأمر الذي أدَّى في الحقيقة إلى قهر الجيش البريطاني تمامًا، عندما كانت بريطانيا تحكم الهند آنذاك.

وقد وَحَّدتْ تطلعات بادشاه خان فصائل شعبه البشتون خلال سنين النضال من أجل الاستقلال، وبعدها من أجل السلام بين الهندوس والمسلمين؛ فقد قال مرة:

لديَّ حلم عظيم، واشتياق عظيم. فمثلما يحصل لزهور الصحراء، فإنَّ شعبي يولد ويزهر لفترة من دون أن يرعاه أحد، فيذبلون الناس فيه، ويعودون إلى التراب الذين جاءوا منه. فأنا أريد رؤيتهم يقاسمون أفراحهم وأحزانهم. وأريد رؤيتهم يعملون معًا شركاءً متساويِّ الحصص. وأريد رؤيتهم يلعبون دورهم في البلد، ويتخذون مكانتهم الصحيحة بين أمم العالم، في سبيل خدمة الله والإنسانية.

لقد وُلِد عبد الغفار خان حوالي عام 1890م في مدينة صغيرة مسلمة قرب مدينة بيشاور. وكان من عائلة غنية، ومن أسر الخانات (أي شيوخ العشائر). وكان أباه مُصمِّمًا على منح أبناءه تعليمًا جيدًا. فقد فعل والد عبد الغفار أمرًا لم يتوقعه سكان قريتهم الصغيرة، عندما أرسل ابنه ذا الثماني سنوات إلى مدينة بيشاور، ليدرس هناك في مدرسة مسيحية تُدار من قبل البريطانيين.

فكان يتمشى عبد الغفار وحده وهو فتى في أزقة قريته مستمتعًا بصحبة الفقراء، أو يتجول على ضفاف النهر. وغالبًا ما كان ينفد صبر أبيه من أفعال ابنه عبد الغفار، إلاَّ أن زوجته، التي كان عبد الغفار قريبًا جدًا منها، كانت تقول: «لا تقلق عليه، فإنه صبي قوي. فإنه بادشاه، إنه ملك.» وعندما صار عمره ست عشرة سنة، أصبح شابًّا طويل القامة، بشكل ملحوظ، وقويًّا وحازمًا ومناضلاً بالفطرة.

بعد فترة وجيرة، تسلَّم عبد الغفار تفويضًا ليشارك قوات الطلائع، وهي عبارة عن فيلق من المشاة والفرسان المكون من نخبة من البشتون والسيخ. وكان ضباط الطلائع يُعتبرون مساوين نظريًّا في القيمة للإنجليز. أمَّا أهل عبد الغفار، فقد طاروا فرحًا عندما وافق عبد الغفار تجريب الطلائع. ولم يمضِ وقت طويل حتى رفض عبد الغفار هذا التفويض، عندما أحتقر أحد الأشخاص الإنجليز صديقًا بشتونيًّا له، من الذين كانوا من قوات الطلائع. فاتضح له بأن لا يوجد أيُّ إنجليزي يساوي نفسه تمامًا مع ناس البشتون. فلم يعد قادرًا على الخدمة في الحكومة البريطانية، التي حطتْ من قدر شعبه، وحوَّلتهم إلى عبيد. وبعد أن قرر رفض الذهاب للدراسة في المعهد في إنجلترا، كرَّس عبد الغفار عمله لشعبه. فقد أدرك بأن الأُمِّيَّة تجرُّ الناس إلى الوراء. وفي عام 1910م، أسس أول مدرسة إسلامية له في أوتمانزاي Utmanzai. وقد عَلَّم فيها شباب البشتون على التقنيات الحديثة للزراعة والنظافة.

وفي السنوات التي تلت، اكتشف عبد الغفار غاندي، وأدرك بأن أسلوب حياة غاندي في البساطة واللا عنف، هو على وجه التحديد ما كان شعبه يحتاج إليه. لقد أحبه شعبه، غير أنهم لم يقدروا على أن يتعرفوا عن كثب على هذا الرجل الطيب والرقيق والمتواضع. وفي أحد الأيام، أثناء اجتماع في مسجد القرية، انفجر الناس بالهتاف بصرخات مُدويَّة، مرددين «بادشاه خان! بادشاه خان!» وذاع صيت هذا الاسم في كل أرجاء الهند، وصار عبد الغفار يُكرَّم كملك على جميع الخانات. وعندما أصبح بادشاه خان معروفًا أكثر، وعمل جنبًا إلى جنب مع غاندي، أُطلِق عليه اسم «غاندي المناطق الحدودية.»

(أول جيش لا عنفي في العالم)

وفي عام 1926م، أصدر بادشاه خان صحيفة بلغة البشتون، التي أخذت تنشر ما كان يجري في البلد. بعدئذ، في عام 1930م، وبعد مصاحبته لغاندي، أسس بادشاه خان جيشًا لا عُنفيًّا أسماه «خُداي خدمتگارKhudai Khidmatgar» وهو أول جيش لا عُنفي من نوعه في العالم. وكان جيشه يرتدي زيًّا أحمر. وناضل هؤلاء المحاربين ضد العنف المتأصل في نفوسهم، والمولود فيهم وراثيًّا من المجتمع. وبكل شجاعة كانوا يواجهون الجيش البريطاني وهم عُزَّل عن السلاح. ويلخص لنا الكاتب البشتوني محمد يونس الثمن الباهظ الذي دفعه جيش خُداي خدمتگار، لكي يبقوا مخلصين لموقفهم اللا عُنفي، والداعي إلى السلام؛ فيقول:

في أول سنتين، حلَّت فترة صاعقة من الظلمة على المقاطعة. فكان إطلاق الرصاص، والضرب، وغيرها من أعمال المضايقات، تُرتكب بحقِّ هؤلاء الناس، ممن لم يعتادوا عليه سابقًا مطلقًا دون الأخذ بالثأر. فصار «رمي الرداء الأحمر» رياضة شعبية وتسلية للقوات البريطانية في تلك المقاطعة. غير أن البشتون، وبالرغم من عدم نكرانهم لحقيقة تنشئتهم في بيئة من العنف وسفك الدماء، إلاَّ أنهم وقفوا ثابتين أمام مضايقات كهذه، وماتوا بسلام، وبأعداد كبيرة لبلوغ هدفهم.

لقد عارض بادشاه خان بشدة تقسيم الهند وباكستان. وقد أمضى أكثر من ثلاثين عامًا في السجون، أولاً في ظلِّ حكم البريطانيين، وثانيًا في ظلِّ الحكومة الجديدة في باكستان، لرفضه قبول التقسيم. وكان يرى دائمًا سَجنه تضحية يمكنه أن يقدمها لشعبه.

 

هذه المقالة هي ملخص للكتاب: «Nonviolent Soldier of Islam» بقلم Eknath Easwaran