في صباح أحد الأيام، وعند قراءتي مقال "الصلاة في الحياة اليومية" لـ يوهان كريستوف آرنولد استوقفني نصٍ مأخوذ من القرآن:

"قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُماتِ الْبَرِّ والْبَحْر...تَدعُونَهُ تَضَرُعاً وخُفْيَة..."

باختصار، فقد جعلني هذا النص أفكر أين يمكن وضع يسوع المسيح من كل هذا. فهل هو، حسبما يقول بعض اللاهوتيين، الوجه الغربي لله؟ أم إنه، حسبما يقول الآخرون، الله المتجسد فعلاً؟ فأنا أؤمن بالأخير، ويبدو أنّ الكاتب آرنولد يؤمن بها كذلك. ولكن أين سيضحى المسلم من كل هذا؟

إن نظرتي للإسلام قد تبدلت خلال السنين الأخيرة، من حب الاستطلاع إلى العدائية ومن ثم إلى القبول. وأشعر حالياً بأن المسلمين هم مجرد مسيحيون لا يعلمون بذلك لحد الآن - وبكلمة أخرى، إنهم إخواني، والذين لأجلهم قد مات المسيح أيضا.

وكوني طفلاً ترعرعت في إيران، فقد أحببت سماع المؤذن يدعو المؤمنين للصلاة من قمم المآذن. بعدئذ وعند بلوغي في السن، تكدرتُ عندما علمت بأنّ الآذان كان يتم من خلال مكبرات الصوت وشريط مسجل، ولم يكن هناك أي مؤذن في المئذنة. وفقدَ الآذان معناه لديّ وأصبح طنيناً فظيعاً، وبدأت ألعن ذاك الصوت وخاصة عند الساعة الرابعة صباحاً.

أما اليوم فلدي تثمين متجدد للإسلام. وعندما أزور دولة مسلمة ويقعدني المؤذن من نومي فأرفع أنا أيضاً دعائي لله قبل أن أعود للنوم مرة ثانية.

وكنت مرة في شمال مصر، حيث كان هناك أكثر جوامع في الميل المربع الواحد من أي مكان آخر عرفته، وكان صوت المآذن يصدي داخل الغرفة، بحيث كان النوم مستحيلاً، فذهبت إلى سطح المنزل للصلاة. وكلما ارتفعت الشمس في الأفق فوق سطوح المنازل الطينية بدت قبة جامع القصية أكثر وضوحاً وكذلك المآذن. وقد تمكنتً من عدّ 11 مئذنة من حولي. وفجأة جاءني بأنّ المسيح قد مات لأجل الإنسانية كلها، ومن ضمنهم المسلمين، رغم إنهم لم يقروا بهذه الحقيقة بعد. وسمعت الرب يتكلم كما تكلم مع الرسول بطرس على سطح المنزل كذلك قائلاً: "ما طَهَّرَهُ اللهُ لا تَعتَبِرْهُ أنتَ نَجِسًا".

لماذا يستصعب الناس اعتبار المسلمين إخوة وأخوات؟... لقد صادفتُ مرة في القاهرة عندما توقفت أنا ونسيبتي لدى أحد تجار القهوة، رجلاً يرتدي الجلابية ويصلي على سجادته في زقاق بين بنايتين. وبعد إنهاء صلاته واستئنافه لعمله كصباغ أحذية، نظر أحدنا للآخر، وأشار بيده إلى رغبته في صبغ حذائي. وكنت وقتها أرتدي حذاءً جلدياً، فأشرت إلى حذائي وهززت رأسي. وقد فهمني، ولكنني شعرت بذنب كبير لعدم إعطائي إياه شيئاً من المال لأنه كان فقير حسبما حاله كان يبدو.

في صيف إحدى سنوات السبعينيات مكثنا أنا وزوجتي في "سيدي بيش" في شرق الإسكندرية. وهناك كان رجل يبيع الذرة المشوية على طول الشارع المحاذي لشاطئ البحر في عربة يجرها حمار منذ الصباح الباكر ولغاية الغروب، بينما كانت زوجته تحضر وجبة طعام بسيطة وأبنتهما تلعب في التراب قرب العربة.

وفي المساء كنا نراهم يوضبون عربتهم ويعودون إلى البيت وأبنتهما نائمة بين أبيها وأمها في عربة الحمار. لم أرى مطلقاً محبة أهل كهذه في أي مكان آخر - أو على الأقل ما ندر في الغرب المسيحي - والتي تركت فينا انطباع لا يزول.

لدينا أنا وزوجتي أصدقاء مسلمون كثيرون في كل من مصر وكندا (حيث نسكن الآن). وبرؤيتنا لهم كإخوة وأخوات مسيحيين قد عمقت علاقتنا معهم. وكذلك أتيح لنا حتى التكلم في المواضيع الروحية مع أحدهم (وإن لم تكن عن المسيح) فما المشكلة؟! وهو حالياً لديه الكثير من المتاعب العسيرة ويقول بأنه يصلي لله طول الوقت. ونقول له بأنّ صلواته سيسمعها الله، كما نصلي نحن أيضاً من أجله.

وكلما أتحدث عن فكرتي بأنّ المسلمين هم مسيحيون ممن لم يعلموا بذلك بعد، فأُقابل بنظرات مصدومة من قبل أصدقائي الإنجيليين المتحفظين، ممن يقولون بأنه إذا لم يعترف المرء بأنّ المسيح هو مخلصه فهو مدان إلى الجحيم الأبدي. غير أن كلامهم هذا يعيد إليّ صور القرون الوسطى المرسومة على زجاج الشبابيك حيث الشياطين تدفع الناس إلى جهنم بشوكاتهم، بينما فوقهم تأخذ الملائكة القديسين إلى السماء.

والأفضل من القلق والتساؤل فيما إذا كان فلان قد نال الخلاص أم لا، فأن إحساسي هو: أنكَ قد خلصتَ، سواءٌ أكنتَ تقرّ بها أم لا – فقد خلصتَ بدم المسيح الثمين على جبل الجُلجُثة.

وربما يتساءل البعض: ما الفائدة إذن من وراء أن يكون المرء مسيحياً إذا كان الجميع قد خلصوا؟... حسناً؛ أنا أعتقد بأننا – نحن المسيحيون - لدينا علاقة شخصية مع الله يمكن أن يفتقدها الآخرون. وبالتأكيد، تجعلنا روح المسيح التي فينا أن نرغب إلى الانصياع له بإرادتنا وسرورنا - وليس بالإكراه. فلا يقدر أحد غير يسوع المسيح على أن يجعلني أحب كل من أقابله، مثل صباغ الأحذية في القاهرة، بالرغم من أنني وبالتأكيد لم أعبر عن حبي له كما يجب.

ويساعدني المسيح على محبة أولئك الذين لا أتفق، وبصورة كبيرة، معهم مثل جون شلباي سبونج John Shelby Sponge وهو مطران ممن يخلق التناقضات بين صفوف مستمعيه، مثلما وعظ مرة في كنيستنا والتي من حينها أنا وزوجتي تركنا تلك الكنيسة.

لا أعتاد التحدث بصراحة عن أفكاري، لأنها تسبب أذية كهذه للناس حسبما يبدو. وأفضّل كتابة أسمي في بداية الرسالة مقتصراً على الأحرف الأولية على أن أذكره بالكامل. ويتعامل البعض معي وكأنني مراءٍ (ويعوزني قراءة الموعظة على الجبل مرة ثانية لأرى كم كان يسوع مراءٍ.)

وأسأل كل من يقرأ هذه الرسالة: هل جرحتك؟ وإذا لم تُجرح، هل تعرف آخرين ممن يفكرون بنفس الأسلوب؟