وَقَالَ الْجَالِسُ عَلَى الْعَرْشِ: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ، فَإِنَّ هَذِهِ الأَقْوَالَ صَادِقَةٌ وَأَمِينَةٌ.» (الرؤيا 21: 5)

أعظمُ آيةٍ تُتوِّج كل الآيات الأخرى هي هذه: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» فتُقدِّم لنا هذه الآية دعمًا مُتميِّزًا وارتياحًا عندما ندرك كيف يمكن أن يزول كل شيء سريعًا ويصبح ترابًا ورمادًا. «... كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» فلا يطيق الله ما هو فاسدٌ ومُدمِّرٌ، لكنه يريد أن يغيِّره ويصلحه. وبالطبع، لا نحصل على الحياة الجديدة إلاَّ من خلال التوبة:

فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ وَلِسَائِرَ الرُّسُلِ: «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.» (أعمال 2: 37–38)

للأسف، يعتقد الكثير من الناس أن جميع الأمور من حولهم يجب أن تتغيَّر ما عداهم هم شخصيًّا، أو أنهم يرغبون في تغيير بعض الأمور المُعيَّنة فقط لكي يتمكنوا من الاستمرار في حياتهم بطريقة أريح. وينبغي أن نتواضع في أعماق كياننا لكي يسعنا أن ندرك أن كل شيء في الواقع يجب أن يصبح جديدًا، ولاسِيَّما نفوسنا. فلو تسنى لي أن ألقي نظرة فاحصة على كل واحد منكم — فسأرى أنكم جميعكم يجب أن تتجددوا روحيًّا!

أيها الأصدقاء، إنَّ الوضع اليوم هو كما يلي: لقد حَلَّت الظلمة على الديانة المسيحية فيما يَتعلَّق بمسألة التجديد الروحي هذه على وجه التحديد. ونحن نرتاح بسهولة ونقتنع بسرعة بتلك الديانة المسيحية التي تجعلنا مجرد مقبولين أكثر في نظر الناس. فهذا كل ما يريده الناس. ولكن، مع ذلك، إذا دققنا النظر في الأمر، فلابد وأن نقول: «كلا! هذا لا يمكن أن يكون كل شيء.» فالأمر ليس مجرد تذوُّق بسيط لشيء واحد جديد، بل تذوُّق كل الأشياء الجديدة في داخل نفوسكم أولاً وقبل كل شيء. فطالما قد جلسنا هنا في مبنى الكنيسة؛ وطالما قد سمعنا المواعظ؛ وطالما قد عَرَّضنا أنفسنا للتوبيخ مرة بعد مرة! ومع ذلك، لا توجد أيُّ علامة لانبثاق شيء جديد في حياتنا. وهذا يجعل المرء يموت حُزنًا عندما يرى ضآلة التغيُّر الذي حصل على أرض الواقع. فهناك الكثير من الأشياء الجديدة بانتظارنا، ولا تزال النتائج قليلة جدًا؛ وهي عند عتبة بابنا دائمًا، ومع ذلك، لن تدخل.

ربما يُحزننا هذا الأمر كثيرًا، ولكنه، بدلاً من ذلك، يجب أن يُوَحِدنا في حاجتنا المشتركة إلى التوبة. ولكن، لماذا لا نسير عكس طرقنا القديمة؟ ولماذا لا نحصل على قوة للتغلُّب على الخطيئة؟ ولماذا لا يحدث سوى القليل؟ ألا يجب أن يكون صراخنا إلى الرب: «اِرحمنا يا يسوع المسيح، يا مُخَلِّصنا!»؟

هناك عدد كبير جدًا من المسيحيين الفخورين؛ ولكن في الحقيقة، ليس لديهم ما يفخرون به. فقد سكروا بتديُّنهم السطحي، وكل واحد فيهم يظن أنه أهم إنسان، وأنه يعرف أفضل من الآخرين، وأن طائفته هي الطائفة المسيحية الصحيحة. وينطبق هذا الكلام على كل واحد مِنَّا. وما لم يتغيَّر هذا، سنتدهور ونمضي نحو الهلاك؛ وربما ننضم أيضًا إلى عِداد الموتى. وعندئذ سترون كيف أن الناس في كل ممارساتهم وعاداتهم يسيرون في المسار القديم المعروف نفسه إلى أن يوضعوا أخيرًا في القبر، ويُلقى عليهم التراب، ويعود الجميع إلى منازلهم ويواصلون العيش كما كانوا يعيشون الحياة في السابق بسطحية وخالية من الروح.

فإذا كُنَّا لا نُصَلِّي من أجل حلول الزمان الذي تُوقِف فيه ذراع الله القديرة ‏الجيوش المتحاربة، فهذا معناه ‏أننا نسخر من قدرة الله على جعل كل ‏شيء جديدًا.‏

لهذا، التفتوا إلى الله! إذ إنَّ الله لا يقول: «ربما، أو إذا أمكن، أو في ظروف معينة، سأُجَدِّد الأشياء؛ أو عليَّ إعادة التفكير في الموضوع من جديد.» ولكنه يقول بكل صراحة: «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» وإنَّ هذا الوعد بالتجديد يَخُصُّ زماننا الحاضر. وهو مُتاح الآن لكل مَنْ يريد أن يتجدد، ولكل مَنْ هو مستعد للتخلِّي عن ممتلكاته، ولكل مَنْ لا يجعل نفسه في الطليعة، ولكل مَنْ يسترخص حياته لأجل الملكوت. جَرِّبوا الأمر! وامضوا كُليًّا في طريق التوبة، ومن ثم في طريق الإيمان التام! وحتى لو لم يتجدد سوى القليل، فهو على الأقل تجديد أمر ما. وأخيرًا، ستتجدد كل أمور الحياة.

عندما نتواجه مع عقاب الله الذي حَلَّ على الأرض عدة مرات، الذي قد يحِلُّ علينا أيضًا، يمكننا الاتكال بإيمان على هذا الوعد؛ «هَا أَنَا أَصْنَعُ كُلَّ شَيْءٍ جَدِيدًا!» فأنتم تعرفون جيدًا أوضاع العالم الآن. فالأسلحة الفتاكة جاهزة لترمي. وقِوى الظلمة قامت، وتريد أن تسوق الأمور لتنحدر بها للدرجة التي تصبح فيها الأرض بركة من الدماء. فهل لابد للحروب وإشاعات الحروب أن تجري للأبد؟ فإذا كُنَّا لا نُصَلِّي من أجل حلول الزمان الذي تُوقِف فيه ذراع الله القديرة الجيوش المتحاربة، فهذا معناه أننا نسخر من قدرة الله على جعل كل شيء جديدًا.

بطبيعة الحال، إذا أردنا أن يصبح كل شيء جديدًا، فلابد أن يقتحم حياتنا أمرٌ سامٍ ما، أمرٌ لا يأتي من عندنا نحن البشر بل من السماوات. فلابد أن يحدث عملٌ جديدٌ من الله؛ ولابد أن يقتحم عالمنا المحسوس هذا شيءٌ حيٌّ وأصيلٌ من يسوع المسيح. ولابد أن يكون هذا التجديد مرئيًّا لدرجة أنه يُظهِر أن الله القدير هو قديرٌ فعلاً، وبطريقة واضحة بحيث لا يدع أحدًا يُنَحِّي هذا التجديد جانبًا. ولكن هناك عدد كبير جدًا من الناس لا يؤمنون فعلاً بأن الله قادر على فعل شيء من الأعالي. فربما يقولون: «إنَّ الله يتحكم بمصائر الشعوب،» فعندئذ يبصمون كل شيء على أنه من عمل الله، حتى لو كان الشيطان فاعله. فلابد وأن يأتي وقت نُصَلِّي فيه من أجل زوال الأخطار المُهدِّدة لخليقة الله، وسيستجيب الله عندئذ لصلواتنا.

هناك أمور كثيرة تهددنا. وحتى عندما لا تندلع الحروب، يفقد الملايين حياتهم في كل أنحاء العالم، بسبب شتى أنواع المِحن، مثل: العواصف، وانجرافات التربة، والانفجارات، والزلازل، والأوبئة، وجميع أنواع الحوادث. وفي الوقت نفسه، هناك عدد كبير من الأمراض الجسدية والنفسية. فكم من الأنين لا يزال موجودًا في المستشفيات، وكذلك البؤس في المصحات العقلية. وكم شخصٍ يُقتَل، وبعضهم يُقتَل ببطءٍ، إمَّا بالحسد، وإمَّا بالكراهية، وإمَّا بخبث الناس بعضهم نحو بعض. وتأمَّلوا كم عدد جميع الذين يُقتَلون سنويًّا. فلا يحتاج الأمر إلى مسدس؛ لأن الناس يهلكون على أيِّ حال.

فيجب أن تكون كل أسرة مستعدة لوقوع أمر سيء مفاجئ من شأنه أن يعكر صفاء سلامها. لذلك، ينبغي أن نؤمن ونُصَلِّي إلى الله من أجل أن ينصرف عَنَّا هذا القضاء. فإذا كان الله يحفظ كلمته، أمكننا الصمود أمام كل شيء، ولاسِيَّما عندما نكون نحن أنفسنا نحيا سَلَفًا بما هو جديدٌ، فيقول الإنجيل:

فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً، لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا. مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟ (1 يوحنا 5: 3–5)

فانهضوا واذهبوا للقاء ما هو جديدٌ! وصلُّوا من أجله! وتوسَّلْوا إلى الله من أجله! فسوف يتجدد العالم كله بفضل القوة القديرة لله.

فهذا كل ما يريده يسوع المسيح. ولهذا السبب، فإنَّ يسوع المسيح هو بكر القائمين من الأموات. ولهذا السبب وُلِد يسوع المسيح، ولهذا السبب مات يسوع المسيح وقام من بين الأموات، ولهذا السبب يجلس يسوع المسيح عن يمين الله الآب. فهيا اذهبوا للقاء هذا التجديد، لكيما يأتيكم فعلاً، وتتجدد حياتكم! فهذا ما يجب أن نؤمن به؛ وهكذا يجب أن يتماشى نهجنا في الحياة مع إيماننا بأن العالم كله سيتجدد بفضل القوة القديرة لله.

عندما يأتينا ما هو إلَهِيٌّ، ينبغي أن نتيقَّظ وننتبه! لأننا سنمرُّ عندئذ بتأديب إلَهِيٍّ، ونار. وسيكون علينا عندئذ أن ندع الله ينقينا لكي نصبح ذهبًا لا خشبًا. ويجب عندئذ أن نصبح ناسًا صادقين كُليًّا، كما أن كل ما في السماء صادقٌ، وكما أن الرب يسوع كاملٌ وصادقٌ، وكما أن كل الملائكة صادقون، وكما أن الله نفسه صادقٌ (عبرانيين 6: 13–18). لذلك يجب أن تصبحوا أنتم أيضًا صادقين. فهذا ما يعنيه أن يصبح كل شيء جديدًا. وهذا الأمر الجديد قد سمع به الناس سابقًا، وهو ليس غريبًا عليهم. بل إنه قريب جدًا مِنَّا؛ وهو موجود بالفعل على الأرض. فكل مَنْ له علاقة، ولو علاقة بسيطة بالمُخَلِّص يسوع المسيح، يرى شيئًا جديدًا باستمرار.

قال يسوع المسيح: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.» وإنَّ ما هو مُهدَّدٌ ومُعرَّضٌ للخطر هو الحقُّ. ويجب‎ ‎علينا‎ ‎أن‎ ‎نسمح‎ ‎لهذا الحقِّ أن يصبح واقعًا جديدًا في حياتنا. فهو ليس مسألة تعاليم جديدة، أو نواميس جديدة، أو مؤسسات جديدة. ورغم أن الديانة المسيحية صنعت الكثير من التعاليم والشرائع والمؤسسات باسم يسوع المسيح، إلاَّ أن هذا ليس الحقَّ الذي يتحدث المسيح عنه. فالحقُّ الذي يجب أن نفتح له آذاننا هو الواقع الجديد الذي يجلبه ابن الإنسان للعالم، ذلك الواقع الذي لا يستطيع العالم أن يصنعه. فهو رسالة مفادها أن الله يخلق الآن واقعًا جديدًا على الأرض، مبتدئًا بشعبه، ومن ثم بالخليقة كلها. وسيتجدد كُلٌّ من الأرض والسماء في هذا الواقع الجديد.

مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ السَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَالْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ. وَلَكِنَّنَا بِحَسَبِ وَعْدِهِ نَنْتَظِرُ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، يَسْكُنُ فِيهَا الْبِرُّ. (2 بطرس 3: 12–13)

يحيا كثيرون مِنَّا في الواقع القديم، الذي يشغل جميع أحاسيسنا بصورة كاملة. فهو القصة القديمة عن الهلاك، وعن الضياع، وتكمن فيها ظلمة عارمة، ألا وهي: الموت. فنحن نعيش ونموت. وتعيش الطبيعة ثم تموت. وتدخل الخطيئة إلى الحياة. وهناك مقدار كبير من الفشل؛ والناس يذهبون في الطريق الباطل. أمَّا في يسوع المسيح، فيظهَر واقعٌ جديدٌ، واقعٌ يتناقض مع تاريخ العالم. إذ يبدأ شيء جديد بجانب القديم.

إنَّ الواقع القديم لا يختفي فجأة؛ ولكنه يستمر إلى جانب الجديد. غير أنه، في يسوع المسيح، يبدأ تاريخٌ جديدٌ، وعملٌ جديدٌ لله:

أَيْضًا وَصِيَّةً جَدِيدَةً أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ، مَا هُوَ حَقٌّ فِيهِ وَفِيكُمْ، أَنَّ الظُّلْمَةَ قَدْ مَضَتْ، وَالنُّورَ الْحَقِيقِيَّ الآنَ يُضِيءُ. (1 يوحنا 2: 8)

وبالرغم من أن الله كان دائمًا حاضرًا في القديم، وأن الروح القدس قد أثَّر في الأزمنة على مرِّ العصور، إلاَّ أن شيئًا جديدًا قد بدأ الآن في المسيح، نعم الآن. وهذا ما كان يقصده الله أن يكون منذ البداية، ولكن الموت لا يزال له سطوة. إذ إنَّ الموت يجعل الناس يشعرون بوجوده حتى في حياة المسيحيين. وقد كان هذا الموت قويًّا ولاسِيَّما عندما ظهر يسوع المسيح وجاء إلينا بحياته الأرضية، حيث هذه الظلمة التي يسببها الواقع القديم، وحيث هذا الهلاك الذي تسببه التعاليم البشرية. وإنَّ سطوة الموت قوية للغاية لدرجة أن يسوع المسيح كان عليه أن يصارع الظلمة بشدة، لكي يجعل الناس يرون أن شيئًا مختلفًا تمامًا قد جاء بفضل المسيح، وقد حلَّ تاريخٌ جديدٌ بوقائعه القديرة التي لا يستطيع البشر صنعها.

وهذا التاريخ الجديد سيظهر في كل شخص. ويجب أن يكون واضحًا فيكم، وفيَّ، وفينا جميعًا. فهناك شيء جديد سامٍ ممكن تحقيقه الآن. فما لم نضع أنفسنا في نطاق هذه الحقيقة، لا نقدر على تحقيق أيِّ شيء. وهذا ليس تعليم عقائدي؛ وهو ليس مجرد وصية جديدة، بل إنه الكلمة الذي له القدرة.[1] فإنه شخص يسوع المسيح الحيِّ، الذي أشرق به تاريخٌ جديدٌ للبشرية، الذي وصل به التاريخ إلى ذروة سُمُوِّه. والأسئلة المطروحة هي: أتعيشون في واقعيَّة يسوع المسيح؟ أوضعتم أنفسكم تحت السلطان الذي أُعطِي للمسيح من أجلكم ومن أجل جميع الناس؟ أيمكنكم حقًّا استيعاب هذا؟ أيمكنكم قبوله؟ أيمكنكم جعله جزءًا من حياتكم؟ أيمكنكم أن تسمحوا لسلطان المسيح أن يرشد حياتكم كلها، حتى في وسط أشد الآلام والمعاناة؟

فما لم تفعلوا هذا لن يكون لكم أيُّ حقٍّ للسعي لملكوت الله. لأنه ما ملكوت الله في الأساس؟ إنه بالتأكيد ليس الأعمال الخيرية المسيحية والمؤسسات الخيرية المسيحية. فإنَّ ملكوت الله هو قوة الله. إنه سيادة الله. وهو إعلان الحياة الإلهية هنا على الأرض، أيْ بمعنى ولادة قلوب جديدة، وأذهان جديدة، ومشاعر جديدة، وإمكانيات جديدة. فهذا هو ملكوت الله. ولكن مَنْ يمكنه أن يفهم معنى سيادة الله؟ ومَنْ يمكنه استيعاب مَنْ هو الله في الأساس؟

ولكي نفهم هذا جيدًا، يجب أن نؤمن بأن يسوع المسيح جاء من عند الله. فإنه النور الذي يضيء عبر قرون الزمان:

كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. (يوحنا 1: 9)

ولا يمكن لأحد سواه أن يقول:

مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ (يوحنا 8: 46)

فقد جاء يسوع المسيح من عند الله لكي ينتصر على الموت. وقد جاء يسوع ليكون في وسطنا واحدًا مِنَّا، حتى يُهزَم الموت. وأرسى المسيح حجر الأساس لحياة جديدة تمامًا، ولنظام حياتي جديد. ويمكننا بفضل الإيمان بيسوع المسيح أن نصبح رجالاً ونساءً مختلفين في صميم أعماق كياننا اختلافًا تامًّا عن السابق.

هذه هي قدرة ملكوت الله والطبيعة الحقيقية له. فما فائدة ديانتنا المسيحية إن كُنَّا نعاود السقوط باستمرار إلى طريق الموت، وتستمر الظلمة في الهيمنة على حياتنا؟ وما فائدة إيماننا بالمسيح إن استمر كل شيء في السير وفقًا للطرق القديمة الفاسدة؟ فإذا واصلتْ قوة الخطيئة عملها فينا، فمعناه أننا نسير في طريق الباطل، فتصبح ديانتنا ومعتقداتنا وعبادتنا لله باطلة إذن. فيجب أن تصبح الحقائق منظورة، أيْ بمعنى حقائق الحياة الجديدة، والطاقة الجديدة، والفرح الجديد. فبالحياة الجديدة، لم نَعُدْ نحيا بخضوع لسلطان الموت، ولا لسلطان الخطيئة التابعة للموت. ولكننا نحيا بواقع الحياة الحقيقية التي تأتي من عند الله.

هناك تياران قويَّان يجريان جنبًا إلى جنب وفي اتجاهين متضادين، أحدهما عكس الآخر. فتريد الخطيئة أن تحكم الإنسان. وتريد أن تصل إلى هدفها؛ وتريد أن تلحق الدمار أينما استطاعت. أمَّا الذي يجري عكس هذا التيار فهو حركة يسوع المسيح، رئيس الحياة. فهو يقودنا إلى شيء أسمى كُليًّا من أنفسنا. حتى أن الموت يمكن أن يُهزَم بفضله. ومع ذلك، حتى لو كان علينا أن نموت، فهو يَعِدُنا قائلاً:

مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا. (يوحنا 11: 25)

فأيُّ وعدٍ أعظم من هذا يمكن أن يُقال لنا؟ فإذا كان باستطاعتنا سماع هذه الكلمات وإدراكها، فإنَّ كل شيء سيتجدد، حتى إنَّ تاريخ الأمم نفسه سيتجدد بوقائع الرب القديرة.

لقد أشرق فجر يوم جديد علينا بفضل الإيمان بالمسيح. وقد أتى هذا اليوم الجديد في الماضي، وسوف يأتي في المستقبل. فإنه أبدية الله. لأن المسيح هو الذي قام من بين الأموات. ولأنه قام، فهو وحده المهم. ولا نريد التعلُّق بما هو بشري، ولا حتى بأولئك المُتَدَيِّنين أو الأتقياء. فيجب أن يكون مصدر كل شيء من المَلِك، من المسيح الرب. فهو وحده المنتصر على قِوى العالم الشريرة. وهو وحده القادر على اختراق سلطان الخطيئة والموت وإزالته، سواء كان في العالم أو في قلوبنا. فلا يوجد أيُّ بشر أو حركة بشرية يمكنها القيام بذلك. حتى أن أفضل إرادة أو عزيمة بشرية غير قادرة على تحقيقه. غير أن هناك إمكانية جديدة. إذ يمكن لله أن يحكم العالم مرة ثانية. ويجب أن تحيا هذه الإمكانية في قلوبنا. عندئذ يكون المسيح الحقيقي معنا، فهو الذي جاء ليجعل كل شيء جديدًا.

 

هذه المقالة مقتطفة من كتاب «في انتظاره فعل»



[1] تُعامَل «الكلمة» هنا وكأنها مُذَكَّرة وفقًا للتقليد المسيحي، لأنها تشير هنا إلى يسوع المسيح، كلمة الله، الكلمة المُتجسِّد. إذ يقول الإنجيل: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ ... وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا.» (يوحنا 1: 1، 14) ويقول أيضًا هنا: «وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ ‹كَلِمَةَ اللهِ.›» (رؤيا 19: 13)