My Account Sign Out
My Account
A lonely teenager sits on a bridge railing and looks at the rainy city

إرادة الإنسان

هل بوسعنا فعل كل ما نريده؟

بقلم هاينريش آرنولد J. Heinrich Arnold

6 ديسمبر. 2016
0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسل
في صراعنا الروحي ضد التجربة وإغواء إبليس، ماذا بوسعنا عمله لإزالة الشرّ المخيّم على بصرنا الروحي؟ وكيف يمكننا التركيز على محبة الله التي ننشدها؟ نحن نعلم أن من يفوز في حلبة الملاكمة أو في الشارع قد يكون من هو صاحب الإرادة القوية والمتعنتة والمتصلبة؛ لكن في صراع قلب الإنسان، ربما لا تلعب قوة الإرادة أي دور في نتيجة المعركة.

فمن المستحيل قهر الطبيعة الأثيمة لأي شخص بقوة الإرادة وحدها، لأن الإرادة ليست متحررة بصورة كاملة بتاتا، فهي منحرفة لأنها متأثرة باتجاهات مختلفة من جراء مشاعر متضاربة ومن جراء قوى أخرى تعمل فيها وتؤثر عليها. ففي الصراع الروحي تغدو الإرادة البشرية "مشلولة" إلى درجة كبيرة كما يصفها الفلاسفة الألمان، أما محاولة تسخيرها في ذلك الصراع فلا جدوى منها بتاتا. وفي الحقيقة والواقع، فقد تؤدي الإرادة إلى الترسيخ الذهني لذات الشر الذي نكافح للتغلب عليه حتى إن الإرادة بحد ذاتها تعمل على توجيه ذاك الشر بالذات ليصبح واقعا ملموسا. ونقرأ عن هذا الموضوع بحسب ما جاء عن الطبيب النفساني السويسري–الفرنسي تشارلز بودوان Charles Baudouin:

عندما تفرض فكرة ما نفسها على ذهن الإنسان لكي يقبلها...فإن جميع الجهود الواعية التي يبذلها ذلك الشخص للتصدي لها لا تحقق النتيجة المرجوة منها في التحرّر من تلك الفكرة بل حتى بالحقيقة سوف تنقلب هذه الجهود وتسير بعكس الاتجاه وتزيد من حدة إصرار الفكرة...وتكون النتيجة أن الفكرة المهيمنة على ذهن الشخص تتقوّى.

وفي الإنجيل كتب القديس بولس الرسول الذي كان عالما بهذه المشكلة، فقال:

لا أفهَمُ ما أعمَلُ، لأنَّ ما أُريدُه لا أعمَلُهُ، وما أكرَهُهُ أعمَلُهُ. وحينَ أعمَلُ ما لا أُريدُهُ، أوافِقُ الشَّريعةَ على أنَّها حقٌ. فلا أكونُ أنا الّذي يعمَلُ ما لا يُريدُهُ، بَلِ الخَطيئَةُ الّتي تَسكُنُ فيَّ، (رومة 7: 15-17)

ربما يكون من المفيد هنا أن نميز بين الإرادة والاشتياق الجوهري العميق لقلوبنا، الذي هو: الضمير. ففي الوقت الذي تتحرك الإرادة ضد التجربة وإغواء إبليس في محاولة للتصدي للتخيلات الفكرية والشهوات، يشير الضمير (الذي سمته طائفة الصحابيين المسيحية الأولية Quakers بالنور الداخلي) يشير الضمير علينا بنقاوة القلب الحقيقية. فالضمير هو مرشد في صميم أعماق نفس الإنسان، حيث يسكن السيد المسيح بنفسه. وعندما يسيطر الضمير، فيمكن التغلب عندئذ على أسوأ تجربة.

وعندما نتأمّل الحرب التي تشنها هاتين "الإرادتين" (أي الإرادة والضمير) على الأفكار الأثيمة، فهناك سؤال يظهر تلقائيا: من أين يأتي إذن كل هذا الشرّ غير المرغوب فيه؟ والجواب الوحيد هو أننا يجب أن نقر ونعترف بأنه يأتي من قلوبنا. (ولا أعني هنا أنني أنكر تعرضنا في الغالب إلى مداهمة الشرّ – بل أريد أن أحذّر من أن المغالاة بدور إبليس قد يكون أمرا غير صائب. لأنه في النهاية، يجب أن يتحمّل كل منا مسؤولية أفكاره وأفعاله.) فلو أدركنا ذلك لما صعب علينا فهم سبب عجزنا عن التغلب على الأفكار الشريرة بواسطة قوة إرادتنا البشرية، فلذلك سنعترف بكل تواضع بأنه ليس بمقدورنا تنظيف وتطهير قلوبنا بقوانا البشرية.

ونقول مرة ثانية أنه طالما أننا نسعى لقهر الشر بواسطة قوة الإرادة وحدها فسوف يستولي علينا الشرّ. ولنستمع إلى ما يقوله إخصائي علم النفس الفرنسي أميل كوي Emil Coué الذي هو زميل الطبيب النفساني السويسري-الفرنسي تشارلز بودوان Charles Baudouin، "لو كانت الإرادة في حرب مع المخيلة، لرجَحت كفّة القتال لصالح المخيلة دائما." لكن بمجرد أن ننصت للاشتياق الخالص والعميق للقلب الذي يصرخ ويستنجد بيسوع، فسوف يتراجع الشر الذي في داخلنا، ولو وثقنا في هذه الإرادة العميقة وصلينا على غرار هذه الصلاة:

يا يسوع، لتكن مشيئتك لا مشيئتي: فنقاوتك أعظم من نجاستي؛ وكرمك سيتغلب على طمعي؛ وحبك سينتصر على كراهيتي،

لتلاشت تدريجيا كل هذه الأفكار الأثيمة بأجمعها.

فلابد لنا من أن نؤمن بأن: يسوع وفيّ حقا لنا، حتى لو كنا غير أوفياء له، وهو ليس مخلِّصا إلهيا بعيد عنا يصلنا من الأعالي، لكنه إنسان مات على الصليب "بالضعف البشري" ويعيش الآن "بقدرة الله"، كما كتب القديس بولس الرسول في الإنجيل:

ومعَ أنَّهُ صُلِبَ بِضُعفِهِ، فهوَ الآنَ حَيٌّ بِقُدرَةِ اللهِ. ونَحنُ أيضًا ضُعفاءُ فيهِ، ولكنَّنا في مُعامَلَتِنا لكُم سَنكونُ بِقُدرَةِ اللهِ أحياءَ معَهُ. امتَحِنوا أنفُسَكُم وحاسِبوها هَلْ أنتُم مُتَمسِّكونَ بإيمانِكُم. ألا تَعرِفونَ أنفُسَكُم وأنَّ يَسوعَ المَسيحَ فيكُم؟ إلاَّ إذا كُنتُم فاشِلينَ. أمَّا نَحنُ فنَرجو أنْ تَعلَموا أنَّنا غيرُ فاشِلينَ. ونُصَلِّي إلى الله أنْ لا تَعمَلوا شَرّاً، لا لِيظهَرَ أنَّنا ناجِحونَ، بَلْ لِتَعمَلوا أنتُم ما هوَ خَيرٌ ولَو ظَهَرْنا نَحنُ بِمَظهَرِ الفاشِلينَ. فنَحنُ لا نَقدِرُ على مُقاوَمَةِ الحقِّ، بَلْ على خِدمَتِهِ. وكَمْ نَفرَحُ عِندَما نكونُ نَحنُ ضُعفاءَ وأنتُم أقوياءَ، وما نُصَلِّي لأجلِهِ هوَ أنْ تكونوا كامِلينَ. (2 كورنثوس 13: 4-9)


هذا المقال مقتطف من كتاب «التحرر من الأفكار الأثيمة»

A lonely teenager sits on a bridge railing and looks at the rainy city
مساهمة من photo of J. Heinrich Arnold هاينريش آرنولد

ألا نستعد لكلمات المسيح لندعها تخترق أعماق كياننا – أم نستمر في وقاية نفوسنا منها ونقسّي قلوبنا تجاهها؟ فلا ندرك كم مرة وقفنا في طريق الله. لكن يمكننا أن نسأل الله أن يخترق أحشاءنا بكلمته الإلهية، حتى لو كانت مؤلمة.

اِقرأ المزيد
0 تعليقات