My Account Sign Out
My Account
ArnoldHero

إنجيل السلام في زمن الإرهاب

قسيس من برودرهوف يناقش الرد الصحيح الذي ينبغي للمسيحيين القيام به في أعقاب ‏هجوم حماس على إسرائيل.‏

بقلم هاينريش آرنولد Heinrich Arnold

21 أكتوبر. 2023

اللغات المتوفرة: Deutsch ، español ، English

0 تعليقات
0 تعليقات
0 تعليقات
    أرسِل

كان يوم الجمعة في 7 أكتوبر يوم احتفال في إسرائيل، حيث ارتادت حشود من الناس الكنائس اليهودية للاحتفال بنهاية عيد المَضال وبداية عيد «سيمشات توراه» (أيْ الفرح بالتوراة). وعند فجر هذا العيد البهيج، يوم السبت، اندلع عليهم شرٌّ يستحيل تصوُّره. فقد سقطت آلاف الصواريخ على البلدات المجاورة، وكذلك على مدن بعيدة مثل تل أبيب وأورشليم القدس. واخترق مسلحون ملثمون واحدة من أكثر الحدود الخاضعة للمراقبة الشديدة في العالم، وذبحوا عائلات بأكملها كانت لا تزال نائمة، واغتصبوا النساء، واختطفوا ما يقدر بنحو 150 شخصًا ليتخذوهم رهائن.

لقد سمع الجميع الآن عن الفظائع المروعة التي ارتكبتها حماس في إسرائيل خلال ذلك الأسبوع. فما الرد الصحيح الذي يجب على المسيحيين القيام به لمواجهة هذا الرعب؟

يدعونا العهد الجديد إلى أن نبكي مع الباكين (رومية 12: 15). وفي مثل هذا الوقت، ينبغي لنا أن نشارك شعب إسرائيل أحزانه، وخاصة الناجين من هجوم حماس. ويجب علينا أيضًا أن نشارك المدنيين في غزة أحزانهم، الذين يعانون فعلاً من التبعات الجانبية للحرب، نتيجة الرد العسكري على الهجوم.

ويجب أن نصلِّي من أجل السلام. وربما يبدو هذا الكلام وكأنه كلام يردده الناس وقد فقد معناه ومفعوله. ولكن إذا كُنَّا نؤمن بقدرة الله على التدخُّل في التاريخ، فلا يزال يتعيَّن علينا أن نصلِّي من أجل السلام رغم كل شيء.

ولكن إلى جانب الحزن والصلاة، ماذا يجب علينا أن نفعل؟

هناك مطالب في أماكن متعددة من العالم تطالب زعماء العالم باتخاذ إجراءات صارمة. وهذا أمر مفهوم للغاية بسبب مدى عمق الغضب والخوف والذعر الذي يشعر به الإسرائيليون من جراء تعرُّضهم لانتهاكات بهذه الطرق الرهيبة، من قبل منظمة تعهدت بالقضاء على بلدهم. فإنَّ الرغبة في ردِّ فعل سريع وشديد هي جوهر ردِّنا البشري على الشَّرِّ. وأنا قد سافرتُ مثل الكثير من الناس إلى إسرائيل والضفة الغربية في عدة مناسبات، وكانت آخرها في العام الماضي، وصار لي أصدقاء مُقرَّبين من جانبي النزاع الطويل الأمد في المنطقة. وقد أمضى الكثير منهم سنوات في العمل من أجل السلام والحوار من أجل التغلب على الكراهية المُتَجذِّرة في مجتمعاتهم. وعندما تحدثتُ مع بعض من هؤلاء الأصدقاء في الأيام القليلة الماضية، كانوا يصفون لي آلامهم المُبرِّحة. فإنهم يعيشون في درجة كبيرة من الغضب والخوف من المستقبل، وأبعد مما يمكنني تخيله.

a village near a river

الدخان يتصاعد من غزة كما يظهر من الموقع الذي اخترق فيه مقاتلو حماس سياج كيبوتس كفار عزة، في إسرائيل، ‏أكتوبر/تشرين الأول 2023م.‏© Getty Images.

وإنَّ أكثر ما أحزن مجتمعات كنيستي، برودرهوف، هي المذابح التي اقترفها الإرهاب في مجتمعات الكيبوتس مثل كيبوتس كفار عزة وكيبوتس بئيري، التي قُتل فيها المئات، بما في ذلك الأطفال الصغار والرُّضَّع. إذ بدأت روابط الصداقة بين الكيبوتسات وبرودرهوف منذ تسعين عامًا — لكونهما من الحركات المجتمعية المتقاسمة. ورغم أن برودرهوف كنيسة مسيحية والكيبوتسات يهودية، إلاَّ أننا لدينا عنصر مشترك ألا وهو الالتزام بأسلوب حياة جماعية متقاسمة، ولدينا جذور تاريخية مشتركة. لذلك، ترثي قلوبنا لهذه المجتمعات اليهودية، ولجميع الذين يعانون من آلام الأيام القليلة الماضية.

وباعتباري قسيسًا، فأنا لستُ في مكانة تمكنني من أن أملي على الحكومات المعنية بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها. وليس لدي أيُّ نفوذ أو سلطة للتأثير في كيفية استجابة القوى العالمية الأخرى. إذ سيتصرف قادة الحكومات بما يرتؤونه على أيِّ حال. فَلْنُصَلِّ إلى الرب الإلَه لكيما يجعل قراراتهم في الأيام والأسابيع المقبلة أن تكون من أجل رفاهية وحماية جميع الناس المتضررين، وخاصة الأضعف والأكثر عرضة للخطر.

وبالرغم من أنني لا أعرف ما سيترتب على الحكومات فعله، إلاَّ أنني أعرف على وجه أكيد ما يجب على أتباع يسوع المسيح أن يفعلوه.

فالشيء الوحيد الذي يمكن للمسيحيين أن يفعلوه بيقين مطلق هو أن يشهدوا لإنجيل المسيح، لإنجيل السلام. ودعوتنا الإلهية لنا هي أن نُصلِّي من أجل السلام ومن أجل جميع ضحايا العنف، وأن نرفض نحن شخصيًّا دعم العنف، وأن نكون صانعي السلام. وباعتبارنا أعضاء في كنيسة المسيح على هذه الأرض، فعلينا أن نكون سفارة للملكوت المستقبلي المسالم في العالم الحالي.

قال يسوع: «طُوبَى لِصَانِعِي السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللَّهِ يُدْعَوْنَ.» (متى 5: 9). وكان يُعلِّم التلاميذ: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ.» (متى 5: 43–48)

ينبغي على المسيحيين أن يحتجوا على وحشية الهجمات على إسرائيل — الاستهداف الوحشي للمدنيين، وعمليات الاغتصاب، وذبح الأطفال، والنساء، والشيوخ. وعلينا أيضًا أن نتكلم جهرًا ضد حرمان المدنيين من الماء والكهرباء وقصف الأهداف السكنية في غزة. ويجب أن نستنكر كل الحروب. فهذا واجبنا؛ أمَّا الصمت فهو خطيئة. ولا يمكننا أبدًا تشجيع العنف، مهما بدا مُبرَّرًا، ولاسِيَّما في اللحظات التي يصبح فيها المزاج العام دمويًّا ويميل إلى الانتقام.

ولكن، ما القوة التي بإمكانها التَّغلُّب على مثل هذا الشَّرِّ؟ أمَّا يسوع المسيح فيعلمنا مرة أخرى الجواب على هذا السؤال: المحبة وحدها يمكنها أن تنتصر حقًا على الأعداء.

وقد شدَّد الرسول بولس على تعاليم يسوع عن صنع السلام، فكتب في رسالته إلى أهل رومة:

لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، بَلْ أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي، يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ.» لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ، بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ. (رومة 12: 19–21)

يجب أن نستنكر كل الحروب؛ ولا يمكننا أبدًا تشجيع العنف، مهما بدا مُبرَّرًا.‏

قد يكون من السهل بالنسبة إلى المسيحيين أن تغيب عن بالهم تعاليم يسوع المسيح حول كيفية مواجهة الشَّرِّ. فعادة ما تُسَوِّلُ لنا نفوسنا إيجاد حلول تبدو أكثر «واقعية» بدلاً من العمل بتعاليم يسوع المسيح. غير أننا نرى أن استجابات القوة الصارمة للعداء لا تُشكِّل ضمانة للسلامة (فانظروا إلى الفشل الاستخباري الهائل الذي ترك الباب مفتوحًا لهجوم حماس)؛ وفي الواقع، من السهل التفكير في أمثلة كثيرة حول كيف يمكن للقوة الصارمة أن تفشل وتأتي بنتائج عكسية. وعلى أيِّ حال، وبغض النظر عن اعتبارات فعالية وكفاءة الأنظمة الدفاعية، فإنَّ المسيحيين يؤمنون بأن طريق صنع السلام الذي يوصي به يسوع المسيح هو في الحقيقة الحلُّ الواقعي الوحيد لمواجهة الشَّرِّ.

ونحن الذين نؤمن علانية بالمسيح يجب أن نشهد بثقة لوصيته الخاصة بالمحبة بدلاً من وضع ثقتنا بالقوة المسلحة. إذ يجب على المسيحيين أن يتمسكوا بوعد المسيح بأن ملكوته، ملكوت السلام، سيأتي، وبأن رجاء العالم هو في هذا الملكوت. وهذا هو المستقبل الذي وعد به صاحب المزمور:

هَلُمُّوا انْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ...
مُسَكِّنُ الْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ.
يَكْسِرُ الْقَوْسَ وَيَقْطَعُ الرُّمْحَ.
الْمَرْكَبَاتِ يُحْرِقُهَا بِالنَّارِ.
كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ.
أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ. أَتَعَالَى فِي الأَرْضِ.
رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا.
مَلْجَأُنَا إِلَهُ يَعْقُوبَ.
(مزمور 46: 8–11)

مساهمة من HeinrichArnold هاينريش آرنولد

يخدم هاينريش آرنولد في كنيسة الحياة المشتركة المعروفة باسم برودرهوف Bruderhof بصفة قسيسٍ رعويٍّ في الولايات المتحدة وخارجها. وهو والدٌ وجدٌّ ومعلمٌ في مدارس مجتمعات برودرهوف، ويعمل أيضًا طبيبًا مُمارِسًا. ويساهم بكتاباته في مجلة المحراث الفصلية بالإنجليزية Plough Quarterly، ويُقدِّم أيضًا رسائل روحيَّة من الإنجيل كل يوم أحد على قناته في يوتيوب. وقد سُمي بهذا الاسم تيمُّنًا باسم جده راعي الكنيسة القسيس هاينريش آرنولد. وهو يعيش مع أسرته في مجتمع وودكريست برودرهوف Woodcrest Bruderhof.

اِقرأ المزيد
0 تعليقات