My Account Sign Out
My Account
crowd in city

كيف تؤسس حياة مسيحية مشتركة في بلدك

بقلم أسرة تحرير دار المحراث للنشر

27 مارس. 2017
2 تعليقات
2 تعليقات
2 تعليقات
    أرسِل
  • atef

    هذا تطبيق حرفى لتعاليم المسيح ولكن اشعر ان هناك نوع من الانعزال عن العالم فكيف يتغير العالم؟ فى الوقت الذى يريدنا الرب ان نذهب اليه مع العلم ان الوصول الى مجتمع كهذا هو شئ عظيم ارجوا ان اعرف الكثير عن خدمتكم والرب يبارككم

  • nancy

    فعلا هذا هو المجتمع الحقيقى الاخوى وانى ابحث عن هذا المجتمع بعيدا عن العالم الملئ بالظلم وعدم المساواة

إنه سؤال مهم حقًّا، والكثير من القراء والزوار الذين يزورون مجتمعاتنا من كافة أرجاء العالم يفكرون في الموضوع ويسألوننا عن الكيفية التي يتم فيها تأسيس جماعة تعيش حياة مشتركة وبتكريس كامل. أمَّا نحن أنفسنا — الذين نحيا في مجتمع الحياة المسيحية المشتركة من بين الكثير من المجتمعات المسيحية الأخرى المماثلة — فلا ندري كيف يتم تحقيق ذلك. وليس لدينا أيُّ جوابٍ أو حلٍّ أو طريقةٍ لذلك، فهو من عمل الله وحده.

إلاَّ أن لدى بعض مِنَّا تجارب في تأسيس جماعات تعيش حياة مشتركة حيث تتطلب عاملاً أساسيًّا ألا وهو الإيمان أو الاقتناع الوجداني الكامل بهذه الحياة. وهي ممكنة جدًا لو كان هناك ناس يبحثون عنها بحثا مكثفا فيباركها الله. لذلك تلعب الصلاة هنا عاملاً حاسمًا في طلب الإرشاد من الروح القدس، ويشمل هذا طلب الإرشاد بشأن الجوانب العملية لحياة الجماعة أيضًا.

أمَّا البقية مِنَّا فلم يفعلوا شيئًا سوى أنهم تلقوا دعوة إلهية للانضمام إليه، بعد أن تعرَّفوا عليه، بالرغم من أنهم لم يبحثوا عنه، ولكن الله أراهم إياه، فتأجَّج في داخلهم الفرح برؤية تجسُّد ملكوت الله على الأرض، الذي جاء من أجله يسوع المسيح برسالة سماوية نقية خالية من المساومات مع الخطيئة. فوُضِعت النقاط على الحروف وتوضَّحت الكثير من الالتباسات وتَجسَّد اشتياق السنين عندهم.

وبهذا شعرنا كلنا بمسؤوليتنا تجاه هذا الطريق، ولبَّينا الدعوة وقدَّمنا عندئذ نذورنا المؤبدة للخدمة في مجتمعات برودرهوف. فلذلك بدأ النور الساطع واللافح لهذه الحياة الجادَّة يكشف لنا تدريجيًّا العوائق في داخلنا التي تقف حائلاً بيننا وبين طريق المسيح، فصار الصراع الروحي جزءًا من حياتنا اليومية.

أمَّا الطرق التي يدعو الله الناس بها فهي عجيبة ومتباينة ولا حصر لها، رغم أن ليس جميع الناس على استعداد ليمضوا الآن في هذا الطريق الذي وصفه المسيح بطريق الأقلية.

ونعرف الكثير من الناس الذين لم يصيروا على استعداد له إلاَّ بعد عدة سنوات من تعرُّفهم على هذه الحياة المسيحية المشتركة. ولكننا نعلم من ناحية أخرى بأنَّ هناك اشتياقًا كامنًا في داخل كل إنسان إلى حياة كهذه، أيْ إلى حياة أخوية يملأها الوئام والخدمة المتبادلة والتسامح والمقاسمة الكاملة وطرح هيمنة الماديَّات على الحياة. وهي ممكنة حتى مع ضعفنا وقصورنا البشري، لأن الله يساعدنا فيها، تلك الحياة الواقعية الملموسة التي لا تقارعها أيُّ حياة أخرى، برغم أنها غير مثالية. وقد وعدنا المسيح أمرًا لا مثيل له، فقد قال:

«فأينَما اَجتمعَ اَثنانِ أو ثلاثَةٌ باَسمي، كُنتُ هُناكَ بَينَهُم.» (متى 18: 20)

لكن ما سبيلنا نحن البشر إلى هذه الحياة إذن؟

انطلاقًا من تجاربنا، فقد تعلمنا أن جِدِّيَّة الإنسان في البحث الشخصي عن الحقيقة لها دور كبير في الموضوع. فيتوقف الأمر على هذا السؤال: أيبحث الإنسان عن راحة الضمير والنفس عندما يرى حياته الشخصية ملوثة بالخطايا والأنانية والنجاسة القلبية والأمور غير الشريفة؟ أيبحث عن الجواب الشافي عندما يتعذَّب من شرِّ وظلم الناس والتقاليد والأنظمة الخالية من المحبة القلبية الصافية؟ أمَّا الشخص المقتنع بالوضع الراهن للعالم فلن يبحث بعمق عن حقائق الأمور، لأننا — نحن البشر — لا نتحرك ولا نبحث عن الحياة الصحيحة إلاَّ عندما نكون في حاجة مادية أو نفسية أو اجتماعية. فالسؤال هو:

أجائع أنت إلى حياة البِرِّ وحياة التوبة اليومية؟

أجائع أنت إلى حياة مسيحية كاملة، أم أنت مكتفٍ بحضور القداديس أيام الآحاد؟ وبمجرد قراءة الكتب المقدسة؟

أمتعطش أنت إلى شفاء روحك قبل جسدك؟ وإلى راحة ضميرك؟

فالبحث يعتمد على مدى قناعتك بالوضع الذي أنت فيه.

ألم تَسْأَمْ بعد من الحياة الماديَّة، والديانة التقليدية التي لا تشفي؟

ألم تَسْأَمْ بعد من النميمة والضغائن؟

وماذا عن الذبح وتقطيع الأطراف والنَّحر وعدم المغفرة؟

ألم تَسْأَمْ بعد من الانتقام والردّ الصاع بالصاع، والمعاملة بالمثل؟

ألا يتلهف قلبك على علاقات غير قائمة على أساس العشيرة أو الأقارب أو العِرق أو الطبقية أو الماديَّات؟

ألا يتلهف قلبك على علاقات قائمة على أساس واحد فقط وهو المحبة الأخوية مهما كان لون أو جنس رفاقك؟

ألا يتلهف قلبك على كسر طوق التقاليد الخانقة حتى لو كانت تقاليد دينية متزمتة؟

ألا يتلهف قلبك على جماعة ليس فيها لا غني ولا فقير، بل الكل فيها سواسية؟

 

فكل شيء يعتمد على بحثك واشتياق قلبك. فالمسيح حاضر ليدخل قلبك ويغيِّر حياتك رأسًا على عقب. فهو واقف عند الباب يقرع وينتظر، فهل يفتح قلبك الباب له؟

 

نعم، كل شيء يعتمد على بحثك الشخصي. فعندما لا تقتنع بحال هذه الدنيا، ستبدأ بالبحث عن الحياة الحقيقية. ولكن، لن يأتيك الإيمان إلاَّ عندما تنكسر أمام الله وتقرُّ بعجزك وبمحدوديتك كإنسان.

 

ولن ينعم الله عليك بمجتمع حقيقي إلاَّ بعدما ترى ظلم العالم ونظامه المعوج وإلا بعدما تتوق لقداسة وعدالة ملكوته ... وإلا بعدما تريد قول الحقِّ ولا تحابي حتى أخيك ... وإلا بعدما تغفر للمجرمين الذين لم يحصلوا على حياة كريمة مليئة بالمحبة ... وإلا بعدما تدرك الظلم وعدم المساواة والإجحاف بحقِّ الناس ... وكذلك هيمنة القوى الكبرى في العالم وانحيازاها على الصعيد السياسي والعسكري ... وإلا بعدما تكره الخطيئة وتشتاق إلى أن تحب الناس وتخدمهم مهما كان دينهم أو عرقهم أو بشاعة أعمالهم، وهذا يشمل حتى أعدائك ... وإلا بعدما يلهف قلبك لمسامحة من يجرحك وتنعم بالفرحة بمسامحتك إياه ... وإلا بعدما تكفُّ عن إكراه الآخرين على اعتناق إيمانك وتُسلِّم أمر تغيير قلوبهم لله وحده. إذ يهبُّ روح الله كالريح حيث يشاء ...

 

ولن يجيئك إلاَّ بعدما يكون لديك نظرة ثاقبة نحو الأمور ولا تعير أهمية لشكل مجتمع البلد أو مستواه الاقتصادي بل لزيف وحدته؛ فاسأل نفسك: أتوجد وحدة حقيقية أم إنها مجرد مظاهر؟ أيختلف حاله عن حال أيِّ مجتمع من المجتمعات في العالم، حيث الكل لا يسعى إلاَّ لنفسه، وحيث يأتي الأقارب والعشيرة في المقام الأول بدلا من مشيئة الله النقية ووصاياه العفيفة التي تأمر بالمحبة الأخوية بين بني البشر بغض النظر عن قرابة الدم؟ ...

ولن يأتيك إلاَّ بعدما لا يَغُرَّنَّك من بعد الآن حجم دين معين أو جماعة معينة بل ترى حقيقة أعمالها حتى لو كانت جماعة صغيرة. لأن ما يهم هو أن جماعتك تسير على حقٍّ، وأنت عازم على أن تمضي في طريق الرَّبِّ الضيق والوعر، طريق القليلين وليس طريق الملايين. فالرَّبُّ سيَدين العالمين كلاً بحسب أعماله في اليوم الأخير. (راجع الإنجيل، متى 25: 31–46) ...

ولن يأتيك إلاَّ بعدما لا تنجرف مع كل من يقول سبحان الله والمجد لله بروح السخط والإغاظة وبدوافع بشرية بحتة، بل تنظر قبل كل شيء إلى الثمار وإلى الأعمال التي لديهم. فالله أذكى من مكايد إبليس، ويريدنا أن نكون نحن أيضًا حكماء في حياتنا ...

ولن يأتيك إلاَّ بعدما تتريث قليلاً وتهدأ وتُسكِت الصوت البشري في داخلك وتستمع إلى صوت الله.

فلو تذوقت الطعم اللذيذ للمغفرة التي يهبها الرَّبُّ يسوع المسيح لما اقتنعت بهذه الدنيا الفانية الزائفة التي لا يطرب لها الروح ولا يتلذَّذ بها الفؤاد. فتقول كلمة الله في الكتاب المقدس:

«ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ!....» (مزمور34: 8)

ولو عِشتَ الحياة الجديدة التي ينعم بها الرَّبُّ يسوع المسيح لامتلأتَ غيرة عليها وتمنيتها للآخرين، لإخوانك البشر.

ولن ينعم الله عليك بجماعة مسيحية حقيقية إلاَّ بعدما تدرك أن مكانها ليس في شبكات الإنترنت وعلى شاشات الحواسيب البراقة بل على أرض الواقع، ويجب أن يكون منظورًا، ويحتاج بناءه إلى تعب وعرق وتضحية وتواضع وصبر وصلاة. وقد نبهنا الرَّبُّ من أن طريقه محفوف بالمخاطر والاضطهاد ...

ولن يحصل إلاَّ بعدما لا تستكبر به على أحد ولا تستضعف به الآخرين ولا تجرح به أحدًا بل يجب أن يشع إيمانك المسيحي وجماعتك المسيحية وداعة وحنان ويشعر بذلك حتى الأعداء ... وإلا بعدما تستبشع تضييع وقتك في المتع الشخصية، وبعدما يشتاق قلبك لقضاء وقتك في تقديم خدمات المحبة إلى المتألمين من حولك ...

ولن يأتيك إلاَّ بعد أن تسترخص كل غالٍ ونفيس في سبيل المسيح وكنيسته المتكاتفة، لأن طريق المسيح هو طريق الصليب أيضًا. وهو طريق مؤلم يستدعي الكثير من التضحيات.

وبعدما تحسُّ بأنَّ رسالة يسوع لا تقتصر على الإيمان الفردي بل الجماعي أيْ بمعنى جماعة مُتحابَّة مَلِكُها يسوع المسيح المُخَلِّص وقانونها الأول هو المحبة على غرار ملكوت الله. فهو يمثل سفارة ملكوت الله ... وبعدما تحسُّ بأنَّ رغبة يسوع المسيح القلبية هي الوحدة الأخوية لمجتمع أيِّ كنيسة كانت. فقد صلَّى يسوع المسيح من أجلها قائلا:

"أيُّها الآبُ القُدُّوسُ، اِحفَظْهُم باَسمِكَ الّذي أعطَيتَني، حتّى يكونوا واحدًا مِثلَما أنتَ وأنا واحدٌ... اِجعَلْهُم كُلَّهُم واحدًا ليَكونوا واحدًا فينا، أيُّها الآبُ مِثلَما أنتَ فيَّ وأنا فيكَ، فيُؤمِنَ العالَمُ أنَّكَ أرسَلْتَني. وأنا أعطَيتُهُمُ المَجدَ الّذي أعطَيتَني ليكونوا واحدًا مِثلَما أنتَ وأنا واحدٌ". (يوحنا 17: 11، 21-22)

ولن تنال نعمة المجتمع المسيحي الحقيقي لو عزلت نفسك وجماعتك عن العالم وانفصلت عن معاناته وتستغرق في الممارسات الدينية التي من شأنها أن تَستهلِكك استهلاكا كاملا بدون جدوى ... ولا يعني هذا بالضرورة الانفصال عن كنيستك أو دينك الذي أنت تنتمي إليه الآن بل التضامن مع إخوانك المخلصين للمسيح ضمن جماعتك وتقديم الشهادة عن الحياة المسيحية بدون مساومات لتكون نورا وأملا لبقية أفراد الجماعة أو الطائفة أو الدين ...

ولن تأتيك هذه النعمة ما لم تؤمن بأنَّ الطريق السليم الوحيد للكرة الأرضية بأسرها هو التضامن والمصالحة والمشاركة، ليست مشاركة بمجرد 10% أو 20% أو 99% بل مشاركة كاملة 100% بين بني البشر، أيْ بمعنى محبة قلبية كاملة لأخيك الإنسان، ولا تعزُّ عليه شيئًا ولا تبخل عليه شيئًا، تحت راية الله.

وسيخسر نعمة هذه الحياة المسيحية الكاملة في الكنيسة المقدسة حتى الذين يعيشون فيه الآن لو فَتَرَ حماسهم وانصرفوا عن قضية يسوع المسيح.

ولابد لنا أن نقول في النهاية إنَّ الأمر متوقف كُليًّا على عمل الله له المجد وتدخُّله في حياتنا لو سمحنا له بذلك، فهو صاحب الفضل والقرار في كل هذا، ولكننا نعلم ونحسُّ في أعماق كياننا بأنه يريد أن يفيض فينا شيئًا من حياته المقدسة. وسواء فاض فينا قليلاً أو كثيرًا، فما هو إلاَّ جزء صغير من ملكوت الله الآتي العظيم. وما علينا إلاَّ أن نشتاق إلى هذه النعمة ونُصلِّي من أجلها، وسيتكفل الله بالباقي. فقد قال المسيح:

«...غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ.» (لوقا 18: 27)


ولتأمُّل المزيد عن هذا الموضوع يمكنك الاطلاع على الكتابات التالية:

مقال: لماذا نعيش حياة مسيحية مشتركة؟

كتاب: أسباب حياتنا المشتركة

كتاب: ثورة الله

عن الموقع

A Brick Layer's Hands
2 تعليقات